فبعث عيسى بابنه محمد فى جيش لقتالهم، فنزل بلبيس وحاربهم فنجا من المعركة بنفسه، وذلك فى صفر سنة أربع عشرة ومائتين، فعزل عيسى عن مصر، وولى عمير بن الوليد التميمى فاستعد لحرب أهل الحوف، وسار فى جيوشه فى ربيع الآخرة فزحفوا عليه واقتتلوا فقتل من أهل الحوف جمع وانهزموا، فتبعهم عمير فى/طائفة من أصحابه فعطف عليه كمين لأهل الحوف فقتلوه لست عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر. فولى عيسى الجلودى ثانيا وسار إليهم فلقيهم بمنية مطر، فكانت بينهم موقعة آلت إلى أن انهزم منهم إلى الفسطاط وأحرق ما ثقل عليه من رحله وخندق على الفسطاط وذلك فى رجب.
وقدم أبو اسحق بن الرشيد من العراق فنزل الحوف وأرسل إلى أهله فامتنعوا من طاعته، فقاتلهم فى شعبان ودخل وقد ظفر بعدة من وجوههم إلى الفسطاط فى شوّال، ثم عاد إلى العراق فى المحرم سنة خمس عشرة ومائتين بجمع من الأسارى، فلما كان فى جمادى الأولى سنة ست عشرة ومائتين انتقض أسفل الأرض بأسره عرب البلاد وقبطها، وأخرجوا العمال وخلعوا الطاعة لسوء سيرة عمال السلطان فيهم فكانت بينهم وبين عساكر الفسطاط حروب امتدت إلى أن قدم الخليفة عبد الله أمير المؤمنين المأمون إلى مصر لعشر خلون من المحرم سنة سبع عشرة ومائتين، فسخط على عيسى بن منصور الرافقى، وكان على إمارة مصر، وأمر بحل لوائه، وأخذه بلباس البياض عقوبة له.
وقال: لم بكن هذا الحدث إلا عن فعلك وفعل عمالك حملتم الناس ما لا يطيقون، وكتمتنى الخبر العظيم، حتى تفاقم الأمر واضطرب البلد.
[موت الملك العزيز بالله والبيعة لابنه الحاكم]
فى سنة ست وثمانين وثلثمائة، توفى بمدينة بلبيس الملك العزيز بالله أبو النصر نزار ابن المعز لدين الله أبى تميم معدّ، فى الثامن والعشرين من شهر رمضان، من مرض طويل بالقولنج، فحمل إلى القاهرة ودفن بتربة القصر مع آبائه، وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرين يوما، وكانت مدة خلافته بعد أبيه إحدى وعشرين سنة