القياصرة، وبالجملة جعل مقياس النيل فى معبد سيرابيس، كما كان فى الأزمان السابقة، فبقى به إلى زمن القيصر تيودور فنقل ثانيا إلى الكنيسة، وهدم المعبد ومن ذلك الحين استمر بالكنيسة بين يدى قسس النصارى، إلى أن فتح الله أرض مصر على يد عمرو بن العاص فى خلافة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب سنة أربع وستمائة من الميلاد الموافقة لسنة تسع عشرة من الهجرة.
[(المقياس فى مدة الإسلام وفى خلافة الأموية)]
والذى يستفاد من أقوال مؤرخى العرب هو أنه لما دخلت مصر فى قبضة المسلمين صرفوا همتهم فى ترتيب أمر الخراج، وبنوا فى محلات مختلفة مقاييس للنيل، فمن ذلك ما بنى بجهات الصعيد فى السنة التاسعة عشرة من الهجرة بأمر عمرو بن العاص وهما مقياسان: أحدهما فى جزيرة أسوان فى حدود القطر المصرى والآخر بمدينة دندرة، ومما قاله المسعودى: إن عمرو ابن العاص بنى مقياسا بحلوان، وسبب بنائه لهذا المقياس أنه لما فتح مصر اتصل إلى علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ما يلقى أهلها من الغلاء عند وقوف النيل عن الحد الذى فى مقياس لهم، وأن الاستشعار يدعوهم إلى الاحتكار، ويدعو الاحتكار إلى تصاعد الأسعار بغير قحط.
فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص يسأله عن شرح الحال، فأجابه عمرو: إنى وجدت ما تروى به مصر حتى لا يقحط أهلها أربعة عشر ذراعا، والحد الذى يروى منه سائرها حتى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ستة عشر ذراعا، والنهايتان المخوفتان فى الزيادة والنقصان وهما:
الظمأ والاستبحار إثنا عشر ذراعا فى النقصان، وثمانية عشر ذراعا فى الزيادة، هذا والبلد فى ذلك الوقت محفور الأنهار معقود الجسور عندما تسلموه من القبط، وخميرة العمارة فيه. فاستشار عمر بن الخطاب على بن أبي طالب فى ذلك، فأمره أن يكتب إليه بأن يبنى مقياسا، وأن ينقص ذراعين من اثنى عشر ذراعا، وأن يقرّ ما بعدها على الأصل، وأن ينقص من كل ذراع بعد الستة عشر إصبعين، ففعل ذلك وبناه بحلوان. ودامت العمال إلى