للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم تكن المصائب مقصورة على ما يحصل من العسكر والعرب، بل كثير من الأمراء كان لا فكرة له إلا فيما يجلب به الضرر للناس وجمع أموالهم، كما فعل أحمد باشا الذى كان يلقّب برامى النحاس، فإنه جلب نحاسا كثيرا، وأراد عمله فلوسا، فأنشأ بحوش بردق الوجاقات، ووضع المسابك، وجمع الصّنّاع، فلم يتحصل على ما كان يؤمل منه من الفائدة، فرماه على التجار، وسائر أرباب الحرف والطوائف، فلحق الناس من ذلك ما لا مزيد عليه من الضنك والشدة، ثم قامت عليه العساكر وعزلوه.

وكان أكثر الحكام يقرر الرشوة على الناس، ثم يستعملها من بعده، حتى تصير كأنها حقوق ثابتة.

ولما تولى منصور باشا حاكما على مصر سنة اثنتين وخمسين وألف كانت عدة أنواع الفرض والبلص اثنين وثلاثين نوعا، منها عشر البن، ومنها ما هو على البغايا وأولاد الهوى، وما هو على المغنيات، ونحو ذلك.

***

[مطلب وقعة الصناجق]

واستمرّ هذا الحال، إلى أن دخلت سنة إحدى وسبعين وألف، فحصلت وقعة الصناجق وهى وقعة هائلة، انقسمت فيها الأمراء أحزابا، واشتعلت نيران الحرب فى شوارع القاهرة وضواحيها، وامتدّ ذلك إلى الأقاليم القبلية، وجهّز فيها الباشا الوالى عدة تجاريد، حتى انتهت بقتل أغلب الأمراء الفقارية نسبة إلى رئيسهم ذى الفقار، وذهبت صولتهم.

وفى إثر ذلك - سنة أربع وسبعين - كان والى مصر عمر باشا، فاهتم بجمع السلاح من كافة البلاد.

[مطلب وقعة الزرب]

وكانت الضغائن كامنة فى نفوس من بقى من الفقارية، وفى كل وقت يرتقبون انتهاز فرصة الانتقام من أخصامهم، طمعا فى رجوع صولتهم، وما كانوا عليه من النعيم، فلم يمض غير قليل حتى حصلت وقعة الزرب، وهم قوم حضروا من الشام، أغلبهم أروام ودروز، فانخرطوا فى سلك العسكرية، ووصل بعضهم إلى المناصب السامية، وانضموا إلى محمد بيك حاكم جرجا، وصاروا أنصاره، وأخذوا فى الظلم والإيقاع بالناس، وأكثروا من النهب والسلب، وكانوا يقتلون النفس على أقل سبب، فرفع الناس شكواهم إلى الوالى،