فكانت ولاية مصر بين هذين الظالمين الغشومين، أحدهما يظلم فى الوجه البحرى والآخر فى الوجه القبلى. فبهذه الحالة كان الإنسان أينما توجه وجد المظالم والأهوال، إلى أن حصل بينهم الصلح، وأخذت البيكوات الخمس-بعد فرارهم-وحرّج عليهم بالقاهرة بعد مصادرتهم فى مالهم.
ومن النظر فيما تقدم من أخبار المدد السابقة، والتقلبات التى مرت على تلك الديار، علم أن مدينة إسكندرية-وغيرها من بلاد القطر-بعد أن كانت متوّجة بتاج المهابة والإجلال، رافلة فى حلل السعادة والإقبال، وكان وادى النيل مزينا من كل جانب بالمدن الفخيمة، ذات المعابد والهياكل المشيدة العظيمة، تلوح على صغير أهلها وكبيرهم لوائح الثروة والابتهاج، نالها من شدائد الأزمان ما أخرها عن هذه التقدّمات، كل على حسب حاله، وتبدلت سرّاؤهم بالضراء، واختلفت عليهم الأهوال والأهواء، إلى أن منّ الله عليها بالعائلة المحمدية العلوية، التى نزعت عنها ثياب الأحداد، وألبستها حلل الثروة والإسعاد.
[مطلب الكلام على مدينة إسكندرية]
ولنصف لك-الآن-المدينة وبعض ما بقى من آثارها، تابعين فى ذلك طريق (أمبير) الفرنساوى الذى ساح فى الديار المصرية، زمن العزيز المرحوم محمد على باشا سنة ١٨٣٠، فنقول:
مدينة إسكندرية بناها إسكندر الأكبر، ولم تطل مدته حتى يتمم بناءها الذى تصوره فى اليقظة أو فى الرؤيا، كما قال بعضهم. إن (أميروس) الشاعر ألهمه صورتها فى نومه، وهو حضر تخطيطها لا غير. والمتمم لبنائها وتحليتها بفاخر البناء، (بطليموس سوتير) فالإسكندر له الفكرة الأصلية، وإلى بطليموس ينسب تجسيمها.
وزعم أكثر الناس أن بطليموس أخوه، وقد بنى بها معابد، ونقل إليها ما تمّم به