انقطع ورود الميرة عن البلد بالكلية، فصار لا يرد إليها شئ، وغلت أسعار الحبوب، وقهرت التجار على البيع، وباعت المأكولات بثمن بخس.
فمن كل ذلك جرت أمور شنيعة، ولم تنقطع إلا بفرار حسن بيك إلى أسوان سنة ١٧٨٣، بعد تشتيت شمل حزبه، ورجوع مراد بيك بالعسكر إلى القاهرة.
لكنها لم تدم، لأن بعض البيكوات المتروكين القاطنين بمصر، اغتنم الفرصة فى أثناء هذه الحادثة، وحزب حزبا رغب به الاستحواذ على الرياسة، واشتعلت نيران الفتن فى القاهرة، فكان سفك الدماء فى كل ناحية، وآل أمرهم-كغيرهم-إلى الالتجاء لجهة قبلى، بعد رجوع مراد بيك لأن هذه الجهة كانت مطمح نظر العصاة، وميدان المقاتلات.
وبانضمامهم إلى هذين البيكين حسن وإسماعيل صارت عصبة قوية.
وكان مركز الأفعال السيئة المنية فأخذت هذه العصبة فى قطع الميرة عن القاهرة، ومنعوا المراكب ونهبوا وسلبوا، فصالحهم إبراهيم بيك، وأعطاهم أراضى وآمنهم، فدخلوا القاهرة. فلم يوافق هذا التدبير رأى مراد بيك، صاحبه، بل ظن أن ذلك تقوية لحزبه، وخاف منه الخيانة، فقام برجال وتوجه نحو الوجه القبلى، وجرد جيشا لحرب صاحبه، وحضر به فى الجيزة أمام جيش إبراهيم بيك، الذى كان بالبر الآخر، وأقاما بدون حرب أربعة أشهر، وهما فى مكالمات.
فهذه المدة حصل فيها للناس ضرر عظيم، فإن العسكر المقيمين بالبر الغربى أضروا البلاد التى على النيل والقريبة منه، والذين بالشرقى أضروا بمن فى الشاطئ الشرقى-ومن ضمن ذلك القاهرة-، وانقطع السير فى البر والبحر من التسخير والسلب، وبطلت التجارة، وكثر الموت فى الناس. ولم تطفأ هذه الفتن إلا وتزداد. ولم يتم الصلح وقام مراد بيك بجيشه إلى المنية ليجمع من الأهالى الرجال والمال.