فكانت هذه الفكرة-الأخيرة-فكرة كليهما، وصار كل منهما يجمع المال بأى طريق سوّلتها له نفسه، من الأهالى. برجاله ونفسه، ويؤلف قلوب من يحب الفتن، من باقى العائلات القاطنة بمصر ومدن القطر، وبذلك وقعت الأهالى فى عميق بحور شهواتها.
ومن كثرة الفتن، صارت أرض القطر جميعها ميدانا لحروب متتالية، نشأ عنها ترك الأهالى أسباب الحصول على القوت، وغرس أسباب الأمراض والعاهات بين الأهالى، وكثر الموت من شدة القحط والوباء، وهرع إلى القطر المصرى جميع أهوال الأقطار الأخر.
وفى أثناء هذه الفتن، قامت فئة من مماليك على بيك، ورأست عليها إسماعيل بيك- الذى مر ذكره-ورغبت فى رجوع الرياسة إلى بيت سيدها، وبذلت جهدها فى ذلك، وصرفت المال وحرضت الرجال، فاجتمعت قوتها ولم يقدر إبراهيم ومراد على مقاومتها.
وبعد مناوشات-فى حارات القاهرة-بين الفريقين التجئوا إلى القلعة، وبعد ذلك توجها نحو الصعيد، وبعد أن جمعا ما تفرق من رجالهما ومماليكهما وصار جيشا جرارا، حضرا مصر وتحاربا مع إسماعيل بيك، فغلبوه وفر إلى الشام، ثم جاء مصر من جهة وزنة، الواقعة فى الجهة الغربية من إسكندرية، ومن هناك توجه إلى الوجه القبلى، واجتمع بحسن بيك، الذى كان نفى إلى جدة قبله وجاء إلى الصعيد، وأقام هناك مدة ثوران الفتن، وانضم لهما كثير من المماليك المطرودة، وغيرهم من الهوارة والأشرار من كل طائفة، فحدث من ذلك جيش سوء، انتشرت رجاله بالقطر القبلى، والفيوم، والأقاليم الوسطى،/وضربوا الجرائم على الأهالى، ووضعوا أيديهم فى أرزاقهم، وعم النهب للمقيم والمسافر، فانقطع الأمان وصار لا يدخل القاهرة شئ من الغلال، فشق ذلك على البيكوات أصحاب الالتزام لحرمانهم من محصول التزامهم، فألحوا على إبراهيم بيك ومراد بيك فى رفع أسباب هذه الأحوال، فأمرا بتشكيل جيش من ثلاثة آلاف خيّال، وضربا على التجار خمسمائة ألف ريال نظير مصرف العساكر، فضج أهل القاهرة من ذلك، ومن تسخير المراكب وأهلها لحمل الحملة