كانت الإسكندرية، بل وسائر الديار المصرية، قبل استيلاء المرحوم محمد على باشا عليها وتوجيه نظره إليها فى غاية من الاضمحلال وسوء الأحوال، مع قلة العدد والعدد، قليلة المتاجر والأسفار، كثيرة الفتن والأشرار، قعدت أعرابها على أذناب الطرقات، واستعملت القتل والسلب فى كل الأوقات، ليس لأهلها فكرة فى اكتساب أنواع المعارف والصنائع، ولا لهم خبرة بما يستوجب كثرة محصولات المزارع، فلما جلس على التخت، وذلك لإثنى عشر يوما خلت من ربيع الأول سنة ١٢٢٠ من الهجرة، الموافقة لسنة ١٨٠٥ من الميلاد، التفت إليها، بل إلى القطر جميعه، ووجه إليه جميل أفكاره، وشمله بجليل أنظاره، وأخذ فى إصلاح ما أفسدته التقلبات الدهرية.
وحيث كان غير خفى على ذكائه أهمية موقع الإسكندرية من الديار المصرية، وأنها بالنسبة للقطر جميعه كالرأس/بالنسبة للإنسان، سيما وهى من أعظم ثغور الإسلام عليها المدار فى تحصين القطر وسدّ عوراته، صرف إليها همته العلية، واحتفل بها احتفالات سنية، وأجرى فيها من محاسن الترتيبات والتنظيمات ما أوجب لها العمارة وتزايد الخيرات، وكثر فيها الصادر والوارد فعاد إليها وسيم نضرتها وقديم شهرتها.
مطلب فى بيان عدد أهالى إسكندرية
فى عهد محمد على وفى عهد خلفائه من بعده
فبعد أن كان ما بها من الأنفس، قبل أيام المرحوم محمد على، لا يزيد عن ٨٠٠٠ نفس، وذلك وقت دخول الفرنساوية الديار المصرية، سرت فيها العمارة سريان الماء فى العود الأخضر، وأورق غرس سعدها وأثمر، حتى بلغت عدة أهلها ٦٠٠٠٠ نفس.