سليمان، من مضمونه: أن الواصل إلى الديار المصرية القاضى جلبى، وهو أعظم القضاة وأكبرهم، وقد رسم السلطان بإبطال القضاة الأربعة، وجعله قاضى عسكر/يحكم على المذاهب الأربعة. وأن النواب والشهود تبطل قاطبة إلا أربعة نوّاب من كل مذهب واحد، وأن يقتصر كل نائب على شاهدين، وأن النوّاب الأربعة يكونون بالصالحية، وأن لا يعقد عقد، ولا يوقف وقف، ولا تكتب وصية ولا عتق، ولا أجازة، ولا غير ذلك حتى تعرض على قاضى العسكر.
فلما وقف ملك الأمراء على ذلك المرسوم أرسل يقول للقضاة الأربعة:
إصرفوا الرسل عن أبوابكم والنوّاب والوكلاء، والزموا بيوتكم حتى يحضر قاضى العسكر، فشق ذلك عليهم.
[(حضور القاضى جلبى قاضى العسكر إلى مصر)]
وفى يوم الإثنين عاشر رجب من تلك السنة حضر قاضى العسكر ونزل ببيت الأمير جانم خلف المدرسة الغورية، وهرعت الأكابر للسلام عليه، فأتى إليه قاضى القضاة الشافعى كمال الدين الطويل، وقاضى القضاة المالكى محيى الدين الدميرى، وقاضى القضاة الحنبلى شهاب الدين فتوح.
وأما قاضى القضاة الحنفى فمنعه مرضه عن الحضور، فيقال إنه لما دخل عليه القضاة لم يقم لهم، ولم يعظمهم، وكان شيخا هرما أبيض اللحية، طويل القامة، على عينه اليمنى فص، فصيح اللسان بالعربية، حسن المحاضرة، وقد أحضر معه مرسوما من مضمونه التوصية بالرعية، وإنصاف المظلوم، وإصلاح المعاملة، وأن يكون له التكلم فى الأحكام الشرعية على المذاهب الأربعة، ويجلس فى المدرسة الصالحية، وأول شئ بدأ به أنه جعل نائبا عنه فى الحكم بالمدرسة الصالحية شخصا حنفيا من العثمانية، يقال له القاضى صالح أفندى، ثم شخصا آخر شافعيا من العثمانية أيضا يقال له فتح الله ينوب عنه فى الحكم بمذهب الشافعى، ثم جعل تحت يد كل نائب منهما نائبا من أهل مصر، فجعل القاضى شهاب الدين بن سيرين الحنفى نائبا عن القاضى صالح