هو تجاه قلعة الجبل، كان موضعه بيت يلبغا اليحياوى نائب الشام. ابتدأ فى عمارته الملك الناصر حسن سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وأوسع دوره وعمله فى أكبر قالب وأحسن هندام وأضخم شكل، فلا يعرف فى بلاد الإسلام معبد إسلامى يحكيه، أقامت العمارة فيه ثلاث سنين لا تبطل يوما واحدا، وأرصد لمصروفها فى كل يوم عشرون ألف درهم عنها نحو ألف مثقال ذهبا.
وأخبر الطواشى مقبل الشامى أنه سمع السلطان يقول: أنصرف على القالب الذى بنى عليه عقد الإيوان الكبير مائة ألف درهم نقرة، وهذا القالب مما رمى على الكيمان بعد فراغ العقد المذكور! قال: وسمعت السلطان يقول: لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه.
وفى هذا الجامع عجائب من البنيان، منها أن ذرع إيوانه الكبير خمسة وستون ذراعا فى مثلها. ويقال: إنه أكبر من إيوان كسرى الذى بالمدائن من العراق بخمسة أذرع.
ومنها القبة العظيمة التى لم يبن بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها، ومنها المنبر الرخام الذى لا نظير له، ومنها البوابة العظيمة، ومنها المدارس الأربعة التى بدور قاعة الجامع، إلى غير ذلك.
وكان السلطان قد عزم على أن يبنى أربع منائر يؤذن عليها، فتمت ثلاث منائر، إلى أن كانت سنة اثنتين وستين وسبعمائة فسقطت المنارة التى على الباب فهلك تحتها نحو ثلاثمائة نفس، فأبطل السلطان بناء هذه المنارة وبناء نظيرتها، وتأخر هناك منارتان هما قائمتان إلى اليوم.
ومات السلطان قبل أن يتم رخام الجامع فأتمه من بعده الطواشى بشير الجمدار، وكان قد جعل عليه السلطان أوقافا عظيمة جدا، فأقطع أكثر البلاد التى وقفت عليه بديار مصر والشام لجماعة من الأمراء وغيرهم، وصار هذا الجامع ضدا لقلعة الجبل، قلما تكون فتنة بين أهل الدولة إلا ويصعد عدة من الأمراء وغيرهم إلى أعلاه ويصير الرمى منه على القلعة، فلم يحتمل ذلك الملك الظاهر برقوق، وأمر فهدمت الدرج التى كان يصعد منها إلى المنارتين، والبيوت التى كان يسكنها الفقهاء ويتوصل من هذه الدرج إلى السطح الذى كان يرمى منه على القلعة، وهدمت البسطة العظيمة والدرج التى كانت بجانبى هذه البسطة التى كانت قدام باب الجامع حتى لا يمكن الصعود إلى سطح الجامع، وسد من وراء الباب