ولما كان المقصود من تمدين تلك المدينة وتكثير خيراتها لا يتم إلا بكثرة المياه العذبة فيها، وسهولة وصول أهل القطر إليها بمتاجرهم، وكان خليجها القديم، بسبب إهماله وعدم الاعتناء بشأنه، قد ردم وارتفع قاعه، زيادة على ضعف عمقه الأصلى، حتى كان فى كثير من السنين لا يدخله الماء إلا فى وقت انتهاء زيادة النيل، ثم يجف فى باقى السنة، وذلك سبّب فى حصول مشقات زائدة لأهل المدينة والطارئين عليها من أهل القطر والأغراب، سيما ومجاورته للبحائر التى تكتنفه من الجانبين: مثل بحيرة أبى قير، وبحيرة المعدية، وبحيرة مريوط، كانت تستوجب سرعة ملوحة مائة، وتعطل منفعته، وربما لا تكفى الصهاريج بقية السنة، خصوصا مع كثرة الناس فيها جدا-كما علمت-.
[مطلب تاريخ حفر ترعة المحمودية]
صدرت أوامره السنية سنة ١٢٣٣ هجرية، الموافقة سنة ١٨١٩ ميلادية، بحفر ترعة المحمودية، وأن تعمق حتى تجرى صيفا وشتاء، وتوسع بحيث يسهل لجميع مراكب النيل الوصول منها إلى المدينة بأنواع المحصولات فى زمن قريب، بلا كبير مصرف ولا مشقة، مع حصول تمام النفع للآدميين وسائر الحيوانات والمزروعات.
وكانت قبل ذلك تجارات القطر لا تصل إلى تلك المدينة إلا من ثغر رشيد أو دمياط، وذلك مستوجب لكثرة المصرف وزيادة المشقة جدا، فإن سفر البحر الملح لا يخلو عن الخطر، فكانت لا تخلو سنة عن حصول غرق لبعض المراكب والبضائع والآدميين.
ولأهميتها جمع لها عددا كثيرا من الأهالى من جميع مديريات القطر، حتى تمت فى أقرب وقت مع الأبنية اللازمة لها، وقد بلغ ما صرف عليها إلى أن تمت، ثلثمائة ألف جنية، على ما نقله كلوت بك، وهذا بالنسبة لما ترتب عليها من المنافع شئ يسير، كما هو مشاهد، ولم يجعل فمها فى مكان فم الخليج القديم عند ناحية الرحمانية، بسبب ما حدث أمامه من الارتدام والرمال، فنقل بالقرب منه فارتدم أيضا، وفعل ذلك مرارا فلم ينفع، فجعل عند