يقفل بقفل من حديد، ولا تفتح إلا نادرا كأيام المولد، ويملأ منها بإناء فخار ورشاء قصير لقرب مائها، وعن يمين الداخل من الباب الكبير شجرة سدر غليظة الساق جدا نافدة فى السقف، تقصدها العامة للتبرك بها، ويعتقدون أنها مسكونة بولية تسمى الشيخة خضرة، يحلفون عليها ويدقون بها المسامير لشفاء الأسنان. وضريح الشيخ بالجانب الأيمن من الجامع من داخل قبة مرتفعة، عليه مقصورة من الخشب المرصع بالصدف والعاج وضبة باب المقصورة بقفيز فضة، وبأعلى الباب لوح فيه دوائر منقوش فيها لفظ الجلالة وأسماء بعض الصحابة وفيها: يا سيدى محمد يا شمس دين الله يا حنفى مددك «ثلاث مرات» وعاداتك «مرة» وبجوار المقصورة قنديل بلور أخضر كبير منقوش معلق بأعلى القبة، وفيها قبلة بها عمودان من الرخام، وباب القبة مرصع بالعاج والصدف عليه اسم صانعه إبراهيم مع «نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ» وفوق الباب بيتان من الشعر يقال إنهما من كلامه ﵁ وهما:
وحط فى بابنا ما شئت من ثقل … وعنك دع حادثات خفتها وعنا
فكل فضل بنى الصديق كعبته … وكل أمر عسير قد يهون بنا
وكان موضع هذا الجامع ملكا للشيخ أبى العباس نقيب الأستاذ الحنفى، ففى كتاب مختصر السر الصفى فى مناقب الأستاذ الحنفى: أن الشيخ أبا العباس أخذ بيد الشيخ فى مبدأ زهده فى الدنيا وجاء به إلى موضع الزاوية الآن قبل عمارتها، وكان منشرا وبه البئر التى هى الآن بالزاوية، وكان ذلك الموضع ملكا لسيدى أبى العباس، فأشار الشيخ لأبى العباس أن يبنى له فى ذلك الموضع خلوة يختلى فيها فبناها له تحت الأرض، وشرع سيدى أبو العباس فى بناء الزاوية، فبناها من ماله وأخذ عنه وكان يخدمه ويتردد عليه ولا ينقطع عن خدمته. انتهى.
[ترجمة الإمام الحنفى]
وقد ترجم هذا السلطان جماعة كثيرون، وأفرد ترجمته بالتأليف جماعة، منهم:
الشيخ نور الدين على بن عمر البتنونى فقد كتب فى ذلك مجلدين.
وترجمه الإمام الشعرانى فى طبقاته بنحو كراسة، فقال: هو سيدنا ومولانا شمس الدين محمد الحنفى ﵁، كان من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين، له الباع الطويل فى التصريف، واليد البيضاء فى الولاية، والقدم الراسخة فى درجات النهاية، وهو أحد أركان الطريق وأكابر أئمتها علما وعملا وحالا وقالا وزهدا وتحقيقا ومهابة، وكان ظريفا جميلا فى بدنه وثيابه، وهو من ذرية أبى بكر الصديق ﵁، تربى يتيما من أمه وأبيه، ربته خالته فكان زوجها يريد أن يعلمه الصنعة فمضى به إلى الغرابلى فهرب إلى