فلم يرض بذلك أهل تلك الجزيرة، ورفعوا لواء العصيان فأرسل إليهم عثمان باشا رئيس العساكر المصرية البحرية، بفرقة من الألايات، ودبر فى إخماد نار الفتنة حتى أطفأها، وتعهد لرؤسائها بعدم إساءتهم، فلم يسمح محمد على باشا بذلك، ورأى أن لا بد من قتل بعضهم، فاستعفى عثمان باشا، وتوجه إلى الآستانة، ومات بها، فعادت الفتنة بكريد.
[[تمرد الشام بعد كريد]]
ولم يثن الباشا عن عزمه ما حصل فى كريد من الهيجان بسبب الترتيبات، فأخذ يرتب الشام كمصر، فوضع القوانين، وأمر بإدخال الشبان فى العسكرية، فنشأ عن ذلك فتنة امتدت أغصانها فى أنحاء هذه الأقطار، واضطربت نيرانها، وأخذ الباشا يمد ولده بالعساكر والأموال، وتوجه هو بنفسه إلى الأمير شبل العريان أمير جبل لبنان، واتحد معه على المساعدة.
فقدر بذلك على إخماد الفتنة، والقبض على رؤسائها، وجرد الأهالى من الأسلحة، وهدأت الحال، فظن الباشا أنه قد تمكن، فما هو إلا أن قام شبل العريان رئيس الدروز، ونصب شباك الحيل لتصيد عساكر مصر وتحصن هو بجباله، وصار يقاتلهم ويخاتلهم، حتى أفنى الكثير، وأعيتهم الحيلة معه، وتشعبت فتنه. فاضطر إبراهيم باشا لاستمالة طائفة المارونية كى تكون معه على الدروز، فأجابوه، وقاموا بنصرته، حتى تمكن بهم من قتل كثير من الدروز، وإطفاء نار حدّتهم، وإزالة الارتباك وعود الطمأنينة.
وكان الباشا دائما يكرر الطلب من الدولة بأن تجعل له ولاية مصر والشام والحجاز وراثة فى عقبه، فمال السلطان لأن يجيبه فى الأولين، ويجعل له الشام مدة حياته، فلما تم للباشا ما تم من إطفاء الفتن الشامية، تاقت نفسه لأرفع مما كان يطلبه، فخاطب الدول رسميا بواسطة القناصل المقيمين بمصر، طالبا للاستقلال، راغبا تحديد بلاده، فعارضه القناصل فى ذلك بطريقة ودادية، فقبل على أن ينفذ ما كان طلبه أولا من أمر التوارث.
وفى الحين قام إلى البلاد السودانية يشاهد معدن الذهب الذى لهج الإفرنج بخبره، وليترك الدول وحالهم فى شأن ما بينه وبين الدولة.
[[معركة نصيبين]]
وكان السلطان من بعد إبرام الصلح المتقدم مجتهدا فى الاستعداد، مهتما بتنظيم العساكر فنظّم جيشا تحت قيادة حافظ باشا رئيس العساكر السلطانية، ووجهه إلى الشام، فأخذ فى بناء الاستحكامات تجاه معسكر الجنود المصرية. فكتب إبراهيم باشا إلى والده بعلمه بذلك،