للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المدة الأولى]

بقيت الديار المصرية رافلة فى حلل سعدها وعزها قرونا عديدة، والعلوم فيها زاهية زاهرة حين كانت الأمم الأخر سابحة فى بحار الجهل، وذلك كان قبل بناء إسكندرية، التى لم يظهر ذكرها إلا بعد انحطاط درجة مدينة منف وخرابها.

وأقوال المؤرخين مضطربة فى تقدير مدة التقدّم فى هذا القطر، والوقت الذى ابتدأ فيه ظهوره، ولكنهم متفقون على أن منشأه شواطئ النيل، ثم انتقل منها إلى ما جاورها من البلاد التى على سواحل البحر الأبيض.

وكانت مصر زمن الفراعنة كعبة (١) يحج إليها طلاب العلم من كل جهة، ويقيمون بمدارسها ويتلقون عن علمائها وأحبارها، إلى أن دخل قمبساس (٢) هذه الديار وجعلها ضمن مملكة الفرس سنة ٥٢٥ قبل الميلاد فأخذت فى الخراب من ذلك العهد، وتهدمت أبنيتها، ودمرت مدنها، وامتدت يد الظلم والجور على العلماء والمدرسين، فتلاشى أمر التقدم والعلم، وانحط قدر الأمة المصرية، وصارت المعلومات والتقدمات ممنوعة عن السير-جميع مدة الفرس-كما أطبق عليه جميع المؤرخين.

والرومانيون تلك المدة كانوا فى أوائل ظهورهم، فكانت دولتهم فى مهد الطفولية لا ذكر لها أصلا، بخلاف الأروام فإن التقدم الذى غرسه المصريون فى جزيرتهم-زمن الفراعنة-أخذ فى أهبة الظهور عندهم، وكان لا يوجد فى موضع إسكندرية غير قرية صغيرة تسمى (رقودة) كان يسكنها قبل الفراعنة نفر (٣) من العرب.


(١) فى الأصل: كقبة.
(٢) يعنى: قمبيز.
(٣) فى الأصل: خفر.