منهم إلى المراتب الرفيعة، حتى تملّك منهم ناس، أولهم المعز أيبك. ومعهم كان لقطز الوقعة المشهورة بعين جالوت، وهزمهم، وأسر الكثير منهم، فكثروا بمصر والشام.
وفى زمن الظاهر بيبرس، كثر الوافدون من المغل وملأوا مصر، وانتشرت بها عاداتهم وطرقهم. وكان لملوك مصر وقتئذ عناية بالمماليك من جميع الأجناس، واحتفال زائد بتربيتهم، وكانوا يسكنونهم القلعة فى طباق مخصوصة، وإذا اشتروا الواحد منهم، سلموه لطواشى يعلمه القراءة والكتابة، وألحقوه بطائفة من جنسه.
وكان لكل طائفة فقيه يعلمهم أمور الدين والآداب والقرآن، فاذا شب وقوى، سلّم لمعلم يعلمه أنواع الحرب، من رمى النشّاب، ولعب السيف والرمح. وكانوا إذا ركبوا للرمى لا يجسر جندى أن يكلمهم، ولا يدنو منهم. وكانوا ينقلونهم فى الخدم على حسب الاستعداد، حتى يصير منهم الأمير والوزير.
ولم يزالوا كذلك، إلى أن كان زمن الناصر فرج، فأهمل شأنهم، وترك أحوالهم، فأصبحوا من أرذل الناس وأدناهم، وأخسهم قدرا، وأشحهم نفسا، وأجهلهم بأمر الدنيا، وأكثرهم إعراضا عن الدين. قال المقريزى: ما فيهم إلا من هو أزنى من قرد، وألص من فأرة، وأفسد من ذئب. فكان ذلك داعيا لفساد حال المملكة وخرابها.
[[نظم العسكر وأمرائهم وهبات العلماء والقضاء]]
وكان للسلاطين أيضا اعتناء بأمر العسكر فبالغوا فى مرتباتهم، وإقطاعات الأمراء منهم حتى كان يبلغ مرتب بعض الأمراء إلى عشرين ألف دينار: الثلث للأمير خاصة والثلثان لجنده، وكان لأعيانهم غير ذلك؛ كاللحم بتوابعه، والخبز، وعليق الخيول والدواب، ولأكابرهم السكر والشمع والزيت، والكسوة فى كل سنة، والأضحية بحسب الدرجات، وفى رمضان السكر والحلوى، وإذا نشأ لأحدهم ولد أطلق له الدنانير واللحم والخبز وعليق الدواب، حتى يتأهل للإقطاع فى جملة الحلقة، ثم ينقل إلى إمرة عشرة أو طبلخانة أو غيرها، حسب حظه.
[[اختلاف الأزياء باختلاف الرتب]]
ولم تكن تلك الهبات مقصورة على طوائف العسكر، بل كانت متعدية إلى أصحاب الأقلام، والقضاة على طبقاتهم، والعلماء والخطباء على اختلافاتهم.
وقد أطال المقريزى فى شرح الإنعامات الواصلة كل سنة لأكابر المئين ومن دونهم، كما أطاله فيمن تقدم ذكرهم. وكان ذلك يصرف من الخزانة السلطانية، ومحلها بالقلعة، ولها ناظر من القضاة الأعلام.