وخطب بها للعباسيين، وخرج الإفرنج من القسطنطينية لأخذ سواحل الشام وغيرها من أيدى المسلمين، فملكوا أنطاكية، وكان بينهم وبين عساكر مصر حروب كثيرة.
ولما مات المستعلى بالله تولى ابنه الآمر بأحكام الله أبو على المنصور، وهو طفل له من العمر خمس سنين وأشهر وأيام، وكان ذلك فى سنة تسعين وأربعمائة، وكان أمر الدولة إلى الأفضل ابن أمير الجيوش إلى أن قتل، فاستوزر بعده القائد أبا عبد الله محمد بن فاتك البطائحى، ولقبه بالمأمون، فقام بأمر الدولة إلى أن قبض عليه فى سنة تسع عشرة وخمسمائة، فتفرغ الأمر لنفسه، ولم يبق له ضد ولا مزاحم.
وكان كثير النزهة، محبا للمال والزينة، وكانت أيامه كلها لهوا، وعيشته راضية لكثرة عطائه وعطاء حواشيه، وكان أسمر شديد السمرة، يحفظ القرآن، ويكتب خطا ضعيفا.
[[بستان الطواشى]]
وهو الذى جدد رسوم الدولة، وأعاد إليها بهجتها بعد ما كان الأفضل أبطل ذلك، ونقل الدواوين والأسمطة من القصر بالقاهرة إلى دار الملك بمصر، وهو الذى أمر بانشاء المراكب والشوانى بصناعة مصر، وكانت المراكب إلى وقته تصنع بالجزيرة، وأضاف إلى الصناعة التى كانت فى الساحل من إنشاء الأمير أبى بكر محمد بن طغج الإخشيد دار الزبيب، وأنشأ بها منظرة لجلوس الخليفة، وكان بهذه الصناعة ديوان الجهاد، وفى زمن ابن طولون كان محلها دار خديجة بنت الفتح بن خاقان امرأة الأمير أحمد بن طولون، فلما زال ملك بنى طولون أخذها الأمير أبو محمد الإخشيد، وعملها دار صناعة.
وقد بقيت بعده مستعملة يجلس بها الملوك والسلاطين إلى سنة سبعمائة من الهجرة، فعملت بستانا، عرف ببستان ابن كيسان، ثم عرف بعد ببستان الطواشى. وكان ما بين هذه الصناعة والروضة بحرا، ثم تربى جرف عرف موضعه بالجرف، وأنشئ هناك بستان عرف ببستان الجرف، وقيل لهذا الجرف بين الزقاقين، وكان فيه عدة دور وحمامات وطواحين، ثم خرب فى سنة ستة وثمانمائة، وخرب بستان الجرف أيضا.
وإلى وقت المقريزى كان لبستان الطواشى بقية، وهو على يسرة من يريد مصر من المراغة، وبظاهره حوض ماء ترده الدواب، ومن وراء البستان كيمان فيها كنيسة للنصارى.
(قلت): ولم تزل الكنيسة باقية إلى الآن على يمين السالك إلى زين العابدين من الطريق الواقع تجاه قنطرة السد، وبستان الطواشى أيضا الآن، بعضه أرض خربة خلف التلال فى أيدى ورثة الشيخ على العدوى خادم السيدة زينب ﵂، والبعض فيه أماكن من خط السيدة