للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالأحجار الضخمة، وزيّنوه بأنواع الزينة داخلا وخارجا، وجعلوا له الشرافات والمنارات البديعة، وأحدثوا القباب الرفيعة، وتغالوا فى نظامها وزينتها، خصوصا أيام الناصر، وأحدثوا المحاريب، المطعمة بالصدف والعاج والآبنوس، والأعمدة الممنطقة بالفضة، واللواوين الواسعة.

وقد كان المؤذن سابقا ينادى بالأذان على سطح المسجد، ثم بنيت له غرفة يؤذن فيها، ثم أخذوا فى تحسينها، حتى جاءت كهيئة مئذنة ابن طولون، سلمها محيط بها من الخارج، ثم جعلت زمن الأكراد كالهيئة التى بجامع الجاولى والمدرسة المسعودية (التى هى الآن تكية المولوية، ويسميها الناس المبخرة)، ثم كانت فى زمن المماليك من أفخر المبانى على الهيئات التى تراها فى مسجد السلطان حسن، وبرقوق.

وكذلك اعتنوا ببناء المدارس والمدافن والخانقاه، وذلك لعلو شأنهم، وسعة نطاق ملكهم.

وبالجملة، فقد كانت همتهم مصروفة إلى العمارة، وتوسعة دائرة المملكة. وقد أفرد الناصر ديوانا للأبنية، وجعل مقرره كل يوم اثنى عشر ألف درهم، فحذا حذوه الأمراء والتجار، حتى ازدحم خارج مصر بالمبانى، وكثرت المدارس والمكاتب، وامتلأت بطلاب العلوم.

ولالتفات السلطان والأمراء إلى العلماء والإغداق عليهم بالهبات، وتقليدهم الوظائف السامية، والرتب العالية، كالوزارة، ونظارة بيت المال، ونظارة الخاص، وكتابة السر، والقضاء والشهادة، وغير ذلك، اجتهدوا فى توسعة المعارف، وتفننوا فى العلوم، حتى كانت مصر من أوسع الكرة الأرضية ذكرا فى ذلك.

[[اتساع القاهرة]]

ولما اتخذ الناصر ميدانا بقرية منية الشيرج، يسرح إليه فى أيام معلومة، كان يعتنى بها الأمراء وأرباب الدولة، فصنع بها ما لا يوصف، وزرع بها البساتين المعجبة، وأحضر إليها البساتينية من الشام، حتى عادت كأحسن مدينة عامرة، وصنع بقربها الخانقاه، عند قرية أبى زعبل، وخصص لها الرواتب الزائدة، واعتنى بأمر الفقراء الذين بها، وصارت بعد قليل قريتها من أعمر الأماكن، وبنيت بها المدارس والمساجد، وكثرت بها الأسواق، وشحنت بالمتاجر.