للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى تلك المدة كان تمام ظهور الديانة العيسوية، فإنها ظهرت مدة قيصر الروم (أوغسطس) ثم اشتهرت وانتشرت بمملكة الرومانيين، التى من ضمنها مصر.

وأول من حضر للديار المصرية، ونشر بها الديانة المسيحية، المقدس (مارك) تلميذ المقدس (القديير) وكان حضوره سنة ٤٣ ميلادية، ونشر بها إنجيله، الذى كان ألفه بروما، تحت نظر المقدسين، وتبعه خلق كثير من المصريين والإسكندرانيين، فأسس لهم كنيسة عرفت بكنيسة إسكندرية.

وبسبب أن أعين المخالفين لهذه الديانة هم الأمة بتمامها، ومنهم القياصرة، كانوا ينظرون إليها نظر احتقار وإهانة، فصارت من عهدها عرضة لجميع أنواع الإهانة والذل فى كل جهة، وصدرت أوامر من الدولة بضبطهم وقتلهم، فتركوا المعمور، وفروا إلى الصحارى، وسكنوا المغارات المنحوتة فى الجبل المقطم، وجبال الأقاليم القبلية. واختاروا تلك الحالة على ترك اعتقادهم، وبعضهم بنى ديورا وأقام بها، وتعرف جميعها إلى الآن ب (ديورانطون).

والذى سل سيف الهوان على النصارى، وبالغ فى أنواع تعذيبهم، أكثر من غيره، من القياصرة، القيصر (ديوكليتيان (١) خصوصا فى أرض مصر، وسيأتى شرح ذلك إن شاء الله تعالى.

[المدة الخامسة]

وهى سنة ٢٧٧، كان فيها تقسيم الدولة الرومانية، ونتج من ذلك فوائد كثيرة للقطر المصرى، سيما إسكندرية، منها: اضمحلال الدولة الرومانية المغربية بقيام الأمم المتبربرة عليها. ومنها: اشتغال الأروام بالعلوم والتقدم، فلم يمنعهم عنها تهاون القياصرة وإهمالهم لها، وتصديهم للمجادلات الدينية. ومنها: تسلطن المعارف البشرية فى مملكة المشرق، ومنها: حفظ مدينة إسكندرية لدرجة عظيمة فى التقدم مشتهرة بها بين المدن.


(١) هو الإمبراطور دقلديانوس. انظر: سعيد عاشور: أوروبا العصور الوسطى، ج ١، ص ٣٠ - ٣١؛ إدوارد جيبون: اضمحلال الإمبراطورية الرومانية، ج ١، ص ٤٦٠ - ٤٧٠.