وأما الديانة العيسوية، فكانت آخذة فى الانتشار فى مملكتى المشرق والمغرب، وعظم شأنها بمدينة إسكندرية. ومن كثرة الجدال الذى كان يحصل بين علمائها وبينهم، وبين أضدادهم، تمكنت قواعدها وعظم حزبها بإسكندرية ومصر. ومن تسلط يد العدوان والقسوة على المتدينين بها فى جهات المغرب، هاجر كثير منهم لمصر، وسكنوا صحاريها وبنو بها الديور، فنشأ عن ذلك وعن عداوتهم لديانة المصريين، تهديم المعابد، وتخريب الهياكل، وتعذيب رجالها بأنواع العذاب، فتضعضعت أركانها، وزال بذلك أكثر مبانيها الفاخرة، التى كانت تباهى بها مدن الأقطار، خصوصا إسكندرية، فإنه حصل بتخريبها إزالة الآثار القديمة منها.
فمن ذلك يعلم أن أكثر التخريب سببه لهذه الديانة الناسخة للديانة المصرية العتيقة والوثنية المتولدة عنها فى زمن البطالسة وقياصرة الروم الأول. فأغلب ما حصل فى القطر من الأمور، التى تغيرت بها أحواله وأحوال أهله ينسب إليها، فإن التغير الذى به دمرت المبانى، وخرّجت الأهالى عن طباعها وعوائدها وأخلاقها، لا ينسب إلا لها.
وبقيت الديار المصرية تتقلب على لظى المظالم المتنوعة، إلى أن ظهرت فرقة دينية، انفصلت عن كنيسة روما والقسطنطينية، وأخذت تتقوى، واستقلت بالإسكندرية، وبعدها بقليل، سرت إلى باقى الديار المصرية، ونشأ عنها جميع المصائب لمدينة إسكندرية.
ومع ذلك لم تنحط فى جميع هذه المدة عن درجتها التجارية.
وما سنذكره من الآثار، هو ما بقى منها بعد المدد الثلاث، التى تعاقبت على الإسكندرية، أى مدة البطالسة، والقياصرة الأول، وقياصرة القسطنطينية.
وقبل ذلك نورد ما وقع من الديانة العيسوية بالديار المصرية، فنقول: إن الديار المصرية-حين القسمة-صارت من نصيب (ديوكليتيان) فكان له مملكة الشرق، وكان حاكم هذه الولاية قبل القسمة أميرا رومانيا، اسمه (أشيى) وكان يطمع فى القيصرية، ولما لم ينلها، رفع لواء العصيان فى مدينة إسكندرية، وتلقّب بقيصر بين الأهالى والعسكر، وبقى