متمتعا بهذا اللقب خمس سنين، إلى أن صارت الدولة المشرقية من نصيب (ديوكليتيان) فحضر بالجيوش/إلى إسكندرية، يريد الانتقام من حاكمها، فدخلها، وقبض على الحاكم وقتله، ونهب بيوت الأهالى، وجميع البلاد التى دخلت تحت لواء العصيان، وعمّ النصارى بجبروته زيادة عن غيرهم؛ فإن مأمورى الحكومة جمعوا منهم أناسا كثيرين، نحو ثمانين ألف نفس، وساروا بهم إلى مدينة إسنا، وقتلوهم هناك عن آخرهم بأمر القيصر.
والكنيسة الموجودة هناك، بنيت محل المعركة لتخليد ذكرها، وهذه الوقعة كانت سنة ٢٨٤ من الميلاد، وجعلتها نصارى مصر مبدأ تاريخ لهم.
ثم بعد موت (ديوكليتيان) المذكور و (عالير (١) الذى أخذ القيصرية بعده، زالت السحب عن سماء الديانة العيسوية، وسوعدت كل المساعدة بشمول نظر القيصر (قسطنطين) من وقت جلوسه على تخت قيصرية المشرق.
ومع هذا، فقد تشعبت الديانة فى هذه المدة إلى مذاهب وفرق، بسبب الاختلاف الذى حصل بين رجالها فى بعض قواعدها، ونشأ من ذلك تعدى الفرق على بعضها، وهلاك خلق كثيرين، ونتج منه فشل عظيم بالديار المصرية وغيرها.
وكان عدد الفرق فى مبدأ القرن الرابع من الميلاد خمسا وخمسين، ولكن-لهذا التاريخ-كانت جميعها متحدة فى الأصل، ولو اختلفت فى الفروع. ومعظم الأسباب التى نشأ عنها تفرق تلك الديانة إلى فرق وشعوب: دخول قيصر الروم (قسطنطين) فى دين النصرانية، وجعل هذا الدين وحده هو دين الحكومة القيصرية دون غيره من الأديان.
فمن ذلك العهد كثرت المجادلات الدينية، وتضعضت أركان الدولة، واضمحلت قوتها، وكان عاقبة ذلك طمع الأقوام المتبربرة فيها، التى وفدت من الجهات الشرقية والشمالية وأول من قاسى مشاق هذه الشعوذات الديار المصرية.
(١) الصحيح «جاليريوس» أشركه دقلديانوس فى الحكم، وهو الذى أغرى دقلديانوس باضطهاد المسيحيين. انظر: إدوارد جيبون: اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، ج ١، ص ٤٦٥، دار الكاتب العربى للطباعة والنشر، القاهرة ١٩٦٩.