قد اتفقت كلمة جميع من تكلم على النقود أن نقود الذهب والفضة كانت قديما عند جميع الملل فى أعلى العيار، وأنهم كانوا يعتنون بتخليص النقد مما يشوبهما ما أمكن، ودائما كان أقدمها أعلاها عيارا.
وقد امتحن دينار مؤرخ بسنة سبع وتسعين هجرية فى دار الضرب بمدينة باريس فوجد عياره ٩٨٧ عبارة عن ٢٣ قيراطا وكسر قدره ٣٢/ ٢٢ من القيراط.
ومن المعلوم أنه كلما بولغ فى تخليص عيار النقود ارتفعت قيمتها حتى يصير الحجم الصغير منها يقوّم به جميع الأشياء مع الاطمئنان وأمن العاقبة، وبسبب كفاية الصغير منها فى المعاملة يسهل حملها ونقلها، ومع ذلك فقد دلت التجربة على أنه لا بأس بمزجها بمعدن آخر يكسبها صلابة حتى لا يؤثر فيها الاستعمال والاصطكاك تأثيرا كثيرا. ولكن بسبب أنه يعسر على أغلب الناس معرفة العيار ضرورة أن ذلك شئ لا يعرف إلا بالحك والششنى الذى هو من خصائص الصيارف ونحوهم، اتخذت الحكام غش العيار والتغيير فيه طريقا للربح، ولا يخفى ما فى ذلك من الضرر والتلبيس على الناس ويعود على الحكومة نفسها، فإنه يضر بالتجارة وينقص درجة الأمن فى الأخذ والإعطاء.
قال المناوى فى كتابه «تيسير الوقوف»: «إن أول من شدد فى أمر الوزن وخلص الفضة أبلغ من تخليص من قبله عمر بن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك، وجوّد الدراهم وخلص العيار واشتد فيه، ثم خالد بن عبد الله القشيرى أيام هشام بن عبد الملك، فاشتد أكثر من ابن هبيرة. ثم ولى يوسف بن عمر فأفرط فى الشدة، فامتحن يوما العيار فوجد درهما ينقص حبة، فضرب كل صانع ألف سوط، وكانوا مائة صانع، فضرب فى حبة واحدة مائة ألف سوط،