وتغالوا فى الأماكن، وبالغوا فى زخرفتها وزينتها، فبنى الناصر محمد بالقلعة عدة قصور بالحجر الأسود والأصفر من خارجها، وفى داخلها الرخام المشجّر بالصدف وأنواع الزينة، مرصعا بفصوص الذهب، وأبدع فى سقوفها، فكانت مدهونة باللازورد، محلاة بالذهب، وجعل فى جدرانها طاقات من الزجاج القبرسى الملون كالجوهر، والنور يخترق محالها من تلك الطاقات، فيرى له منظر عجيب.
وجلب إليها من الأقطار البعيدة أنواع الرخام، ففرش به أراضيها، وجعل فيها البساتين البهيجة، وفيها محلات للحيوانات الغريبة، وساحات للحيوانات الداجنة.
وأجرى إليها الماء من النيل بواسطة دواليب بعضها أعلى من بعض حسب ارتفاع الأرض على المسافات، تديرها البقر، يوصل كل ماءه إلى أعلى، حتى يصل الماء إلى مقره من القصور وبيوت الأمراء. فكان ذلك من أعجب الأعمال إذ الماء يرتفع من النيل إلى القلعة فى أزيد من خمسمائة ذراع. وكان من أبهجها القصر الأبلق - محل الطوبخانة الآن - مشرفا على الاصطبل وسوق الخيل (حيث الرميلة الآن) آخذا فى الارتفاع، بحيث كانت ترى منه القاهرة وضواحيها، والجيزة وقراها.
[ولائم إتمام الدور]
ولما تم بناء هذا القصر سنة أربع عشرة وسبعمائة عمل فيه السلطان وليمة حضرها جميع الأمراء وأهل الدولة، فأفاض عليهم الخلع السنية، وحمل إلى كل أمير من أمراء المئين، ومقدمى الألوف ألف دينار، ولمن بعدهم كل خمسمائة دينار، وبلغت النفقة عليها ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم.
وقد بنى أيضا قصرين محل جامع السلطان حسن لأميرين من أتباعه على نفقته، بلغت النفقة على أحدهما أربعة ملايين وستين ألف درهم. (عبارة عن مائتى ألف جنيه وثلاثة آلاف جنيه)، وبنى غيره من الأبنية ما يفوق الوصف.
ولو أطلقنا عنان القلم فى ذلك لطال الحال، فانظر إلى ما كان عليه هؤلاء من السعة والدعة، وقد أبادهم الدهر وما صنعوا، حتى لم يبق من آثارهم إلا ما لا يذكر.
وكذا بنى أمراؤهم ما يقارب أبنيتهم، مثل اليحياوى اليوسفى، مملوك الناصر بن قلاوون فإنه بنى دارا بقصبة رضوان صرف على بوابتها فقط مائة ألف درهم (عبارة عن خمسة