لسعتها؛ لأنا لو قارنا هذه السعة بسعة القاهرة مثلا، لوجدنا أن السبعمائة ألف، ليست كثيرة؛ فإن سعة القاهرة ٧٩٣ هكتارا، وكان عدد أهلها فى سنة ١٧٩٨ ميلادية - موافقة لسنة ١٢١٣ هجرية - ٢٦٣،٧٠٠، فعلى ذلك يخص الهكتار ٣٣٢ نفسا. وعلى كون أهل منف ٧٠٠،٠٠٠ لا يخص الهكتار غير ١٨٧، فطيبة وإن عدّت من المدن الكبار، وكان بها عدد عظيم من الأهالى، إلا أنها لم تكن فى درجة عمارية مدينة منف؛ لما ذكرنا من الأسباب.
والذى يظن أن مدينة منف كان عدد أهلها يزيد بنقص عدد أهل طيبة؛ لإنتقال أهلها إليها شيئا فشيئا.
وقال بعض الناس إن عدد أهل المدينتين - وإن بلغ ما بلغ - لا يزيد عن المليون، وكان فى القطر مدينة ثالثة كبيرة مشهورة، بسبب اشتمالها على مدارس، ومعابد، وكانت فى الجهة الشرقية للنيل، وكان الناس يحجون إليها؛ لكونها مركز العلم والعلماء، وكان بها معبد الشمس، وهى مدينة عين شمس، ويمكن مقارنة مساحتها اعتمادا على حدود خرابها الظاهرة إلى الآن، بمساحة مدينة القاهرة، وجعل عدد أهلها من مائة وخمسين ألفا إلى مائتى ألف نفس.
ومن الغريب أن مبانى مدينة منف زالت وإندرست، حتى لا يرى لها أثر بالكلية، وما يشاهد من قطع الحجارة فى بعض التلال وأرض المزارع - ما بين مخفى وظاهر - متفرقا فى سعتها التى قدرناها، لا يثبت، غير كون هذا المكان موضع المدينة؛ فإنها كانت مشحونة بالمبانى الفاخرة، والمعابد والسرايات.
ولكن لا يبقى فى مخيلة المطلع أثر العظم والأبهة الفائقة التى وصفت بها حين كانت مقر الفراعنة، ومركز الحكومة، ومحل رجالها، ومطمح نظر الواردين والمترددين على الديار المصرية؛ لإجتناء ثمرات العلوم والفنون، وأنواع التجارات. وإلى هنا تم الكلام على الموضع الجغرافى لهذه المدينة. ولنذكر لك ما كانت مشتملة عليه.