ولما ضربت الفلوس، لعبت الناس فيها، فنودى أن يستقر الرطل منها بدرهمين، وزنة الفلس درهم، وهذا أول وزن الفلوس.
واشتد ظلم الوزير الصاحب فخر الدين الخليلى (١)، لتوقف أحوال الدولة من كثرة الكلف، فأرصد متحصل المواريث للغداء والعشاء، وأخذ الأموال الموروثة-ولو كان الوارث أبا أو ابنا-فإذا طالبه الوارث بما يستحقه، كلفه إثبات نسبه واستحقاقه، فلا يكاد يثبت ذلك إلا بعد عناء طويل ومشقة، فإذا تم الإثبات أحاله على المواريث.
وهكذا كان يفعل بتركة كل من مات، فتضجر الورثة من الطلب، فتترك المطالبة واشتد الأمر على التجار، لرمى البضائع بالأثمان الزائدة، والقيم الكثيرة، وكثرت المصادرات، وعظم الأمر، واشتد الجور على أهل النواحى، وحملت التقاوى السلطانية من الضياع، واشتد الأمر على أهل دمشق ونابلس وبعلبك وغيرها، فكانت تلك الأيام فى/ غاية الشدة.
وهذا كله، وجدته مسطورا برسالة المقريزى، ونقلت بعضه حرفيا، ليعلم القارئ فظاعة تلك الأيام، وسوء تدبير حكامها.
ولم تنته الشدة على أهل مصر، بانتقال الملك من الدولة الأيوبية إلى التركية، بل زادت زيادة فاحشة أضرت بالبلاد والعباد، واستمر ذلك إلى عهد قريب منا.
وفى جميع هذه المدد، كان القحط والوباء متعاقبين، وحصل منهما خراب البلاد فى الأقاليم البحرية.
وهاك بيان مما حدث منهما، فى الأقطار المصرية إلى سنة ١٢١٣، التى كان فيها دخول الإفرنج ديار مصر.
(١) هو: فخر الدين عمر بن مجد الدين عبد العزيز الخليلى الدارى. انظر: السلوك، ج ١ ق ٣، ص ٨٣٦،٨٠٨؛ إغاثة الأمة، ص ٣٧.