وحدثت التمغة على المنسوجات من الأقمشة والحصر، والمصوغات من الأوانى والحلى، وأمر الروزنامجى بتحرير قوائم البلاد، فقال إن أكثر البلاد خراب، فأمره بفرز الخرب من العامر، فحرر القوائم، وجعل فى ضمن الخرب بلدة عامرة، كانت له ولأحبابه.
فلما عرضها على الباشا فرقها على الأمراء بحسب درجاتهم، وأخرج لهم بها التقاسيط، وكان عدتها مائة وستين بلدا، وتسنّى له بذلك أن يدفع إلى العسكر مرتبهم، ويطفئ لهب فتنهم، ولكنه مع ذلك كان ساعيا فى إبعادهم، ليكفى الأهالى شرهم، لأنه ما من يوم يمر إلا ويحصل فيه قتل وسلب فى الحارات والضواحى، ولا يستطيع أحد أن يخرج من بيته، ولا إلى أقرب منزل له بعد العشاء، ولا يمكن لإنسان أن يذهب وحده، أو مع جمع قليل إلى شبرا أو بولاق، وقبل أن يخرج يسأل عن أمن الطريق، فكان الباشا يبعد العسكر عن البلد ما أمكنه، فيرسلهم خلف العرب، ولمحاربة باقى الأمراء بالجهات القبلية، ويترقب الفرص لإزاحتهم.
[مطلب نفى السيد عمر مكرم]
ثم لما رأى أن بعض المشايخ بما لا يلائم الحال، خصوصا السيد عمر مكرم، لمعارضته له فى جميع مشروعاته، وتهييج الأفكار عليه، شكا منه إلى المشايخ، فهوّنوا له أمره، وصاروا يعدون له معايب وهنات، حتى نفّروا الناس عن السيد عمر مكرم، وتباعد عنه أصحابه.
وفى خلال تلك الأحوال طلبت الدولة مبلغ أربعة آلاف كيس كانت باقية مما خصّصه قبطان باشا، فعقد لذلك مجلس، كتب فيه محضر ذكر فيه خلو الخزينة من الأموال مع كثرة النفقات على الأعمال النافعة، كسد ترعة الفرعونية، وبناء العيون، وترميم بعض القناطر، وغير ذلك، وختم عليه المشايخ. ولم يحضر السيد عمر مكرم كراهة فيما يفعل، فاغتاظ الباشا، وطلبه إلى الحضور، فلم يجب، وترددت الرسل بينهما، فقال السيد عمر:
إن كان ولا بد من الحضور ففى بيت السادات، فزاد غيظ الباشا، ونزل ببيت ولده إبراهيم بيك. وأرسل خلف المشايخ والأمراء، فحضروا عنده، وأحضر القاضى، وأمره أن يرسل إلى السيد عمر مكرم، فأرسل إليه القاضى رسولا ليتذاكر معه فامتنع معتلا بالمرض، فقرر المجلس رفعه من نقابة الأشراف، ونفيه إلى دمياط، ونزع ما بيده من النظارات، وتولية السادات وظيفة النقابة، فألبس الفروة فى المجلس.