ولما كثرت الإفرنج والأغراب فى مدينة الإسكندرية واستوطنوها، واستحوذوا على كثير من الفضاء الذى كان بداخل المدينة وضواحيها، رغبوا فى سكنى الرمل وهى قرية شرقى المدينة، بينها وبين أبى قير، وأكثروا من شراء الأملاك فى هذا المحل لقلة ثمن الأرض هناك إذ ذاك، فتيقظت الحكومة لذلك لما لتلك الجهات من الأهمية، لوقوعها فى المناطق العسكرية الممنوع البناء فيها، فأمرت بضبط ما بيع من هذه الأراضى، وبيان ما بنى وما لم يبن منها، ومنعت التصرف فى أراضى الرمل وغيرها إلا بإذن من الحكومة، وجعلت لذلك قوانين تتبع فى هذه الأمور.
وبسبب قرب الرمل من المدينة واتساعه وطيب هوائه، رغب المرحوم فى إتخاذه معسكرا تجتمع فيه العساكر فى المناورات وغيرها، وأمر بردم الملاحة المجاورة لقرية الرمل لمنع العفونة، وعمل لذلك رسوم وميزانيات، ولكن بموته لم يتم ذلك.
وقد اشترى الإفرنج بالحيلة والخداع كثيرا من تلك الأرض، وشيدت به قصور ومنازل، وغرست فيه بساتين حتى أشبه الآن المدينة كما سنذكره.
[مطلب قسمة الفضاء]
ولم تكن همته-عليه سحائب الرحمة-قاصرة على الأمور العسكرية، بل كانت أيضا متوجهة إلى ما يوجب رفاهية لأهل ولايته، فقسم الفضاء الذى فى مينا البصل ومينا الشراقوة بين أهل المدينة، فبنوها مخازن لتلقى البضائع المصرية والمشرقية، فراج كثير منهم من هذه العطايا الوافرة.
وبعد أن كانت هذه الجهة من الضواحى القليلة القيمة لا يرغب فيها إلا القليل من الخلق، صارت بما لحقها من عناية العائلة المحمدية رفيعة القيمة ذات أبنية/مشيدة ومركزا لعموم تجارات القطر.