قال المقريزى: هذا الجامع خارج القاهرة بالحسينية أنشأه الملك الظاهر بيبرس البندقدارى العلائى، وكان موضعه ميدانا يعرف بميدان قراقوش وكان منتزه الملك ومحل لعبه بالكرة؛ فلما اهتم بعمارته اختاره فرسم الجامع فى قطعة منه، ورسم بأن يكون بقية الميدان وقفا على الجامع بحكر ورسم بين يديه هيئة الجامع، وأشار أن يكون بابه مثل باب المدرسة الظاهرية وأن يكون على محرابه قبة على قدر قبة الإمام الشافعى ﵁، وكتب فى وقته الكتب إلى البلاد بإحضار عمد الرخام، وكتب بإحضار الآلات من الحديد والأخشاب النقية برسم الأبواب والسقوف وغيرها وولى عدة مشدين على عمارة الجامع وشرع فى العمارة سنة خمس وستين وستمائة.
ثم فى سنة ست وستين وستمائة أيضا سافر السلطان إلى بلاد الشام فنزل على مدينة يافا وتسلمها من الفرنج وهدم قلعتها وقسم أبراجها على الأمراء، وأخذ من أخشا بها جملة ومن ألواح الرخام التى وجدت فيها ووسق منها مركبا سيرها إلى القاهرة، ورسم بأن يعمل من ذلك الخشب مقصورة فى الجامع والرخام يعمل فى المحراب فاستعمل كذلك.
ولما كملت عمارة الجامع سنة سبع وستين وستمائة نزل إليه فرآه فى غاية ما يكون من الحسن فخلع على مباشريه، ورتب به خطيبا حنفيا ووقف عليه حكر ما بقى من أرض الميدان.
[ترجمة الظاهر بيبرس]
والظاهر: هو ركن الدين الملك الظاهر بيبرس البندقدارى أحد المماليك البحرية الذين اختص بهم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر أيوب وأسكنهم قلعة الروضة.
كان أولا من مماليك الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارى؛ فلما سخط عليه الملك الصالح أخذ مماليكه ومنهم الأمير بيبرس، وذلك فى سنة أربع وأربعين وستمائة وقدمه على طائفة من الجمدارية، وما زال يترقى فى الخدم إلى أن قتل المعز أيبك التركمانى الفارس أقطاى الجمدار، وكانت البحرية قد انحازت إليه فركبوا فى نحو السبعمائة فلما ألقيت