للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليهم رأسه تفرقوا واتفقوا على الخروج إلى الشام، وكان من أعيانهم يومئذ بيبرس البندقدارى فلم يزل ببلاد الشام إلى أن قتل المعز أيبك، وقام من بعده ابنه المنصور علىّ وقبض عليه نائبه الأمير سيف الدين قطز، وجلس على تخت المملكة وتلقب بالملك المظفر فقدم عليه بيبرس فأمّره.

ولما خرج قطز إلى ملاقاة التتار وكان من نصرته عليهم ما كان رحل إلى دمشق فوشى إليه بأن الأمير بيبرس قد تنكر له وتغير عليه وأنه عازم على القيام بالحرب؛ فأسرع قطز بالخروج من دمشق إلى جهة مصر وهو مضمر لبيبرس السوء، فبلغ ذلك بيبرس فاستوحش من قطز وأخذ كل منهما يحترس من الآخر وينتظر الفرصة؛ فبادر بيبرس وواعد الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى والأمير سيف الدين بيدغان الركنى (*) المعروف بسم الموت (**)، والأمير سيف الدين بلبان الهارونى والأمير بدر الدين آنص الأصبهانى؛ فلما قربوا فى مسيرهم من القصر بين الصالحية والسعدية عند القرين انحرف قطز عن الدرب للصيد، فلما قضى منه وطره وعاد والأمير بيبرس يسايره هو وأصحابه طلب بيبرس منه امرأة من سبى التتار فأنعم عليه بها فتقدم ليقبل يده وكانت إشارة بينه وبين أصحابه فعند ما رأوا بيبرس قد قبض على يده بادر الأمير بكتوت الجوكندار وضربه بسيف على عاتقه أبانه واختطفه الأمير آنص وألقاه عن فرسه إلى الأرض ورماه بهادر المغربى بسهم فقتله، وذلك سنة ثمان وخمسين وستمائة ومضوا إلى الدهليز للمشورة فوقع الإتفاق على الأمير بيبرس؛ فتقدم إليه أقطاى المستعرب الجمدار المعروف بالأتابك وبايعه وحلف له ثم بقية الأمراء وتلقب بالملك الظاهر وذلك بمنزله القصير؛ فلما تمت البيعة وحلف الأمراء كلهم قال له الأمير أقطاى: يا خوند لا يتم لك أمر إلا بعد دخولك إلى القاهرة وطلوعك إلى القلعة؛ فركب من وقته ومعه الأمراء يريدون قلعة الجبل فلقيهم فى طريقهم الأمير عز الدين أيدمر الحلبى نائب الغيبة عن المظفر قطز وقد خرج لتلقيه، فأخبروه بما جرى وحلفوه فتقدمهم إلى القلعة ووقف على بابها حتى وصلوا فى الليل؛ فدخلوا إليها وكانت القاهرة قد زينت لقدوم السلطان الملك المظفر قطز وفرح الناس بكسر التتار وعود السلطان فما راعهم إلا والمشاعلى ينادى: معاشر الناس ترحموا على الملك المظفر وادعوا لسلطانكم الملك الظاهر بيبرس؛ فدخل على الناس من ذلك غم شديد ووجل عظيم خوفا من عود البحرية إلى ما كانوا عليه من الجور والفساد وظلم الناس؛ فأول ما بدأ به الظاهر أنه أبطل ما كان قطز أحدثه من المظالم عند سفره، وهو تصقيع الأملاك وتقويمها وأخذ زكاة ثمنها فى كل سنة وجباية دينار من كل إنسان


(*) عن بيدغان الركنى انظر: السلوك، ج ١ و ٢٨/ ٤٣٥، ٥٣٤، ٦٥٥؛ النجوم الزاهرة، ج ٧/ ١٠١، ١٥٤، ٢٧١.
(**) أما سم الموت: فهو أيغان بن عبد الله الركنى، عز الدين، ت ٦٧٥ هـ. انظر: المنهل الصافى، ج ٧/ ١٨٧ - ١٨٨.