الحوادث قد أمحلت حال القطر ولو طلب من الأهالى شيئا مع تعطيل زراعتهم لعدم الاعتناء بتطهير الترع أوغر صدورهم رأى أن يمسح أرض القطر، ويربط على كل جهة بحسبها. فعيّن لذلك ولده إبراهيم باشا، فتممها فى سنة ست وثلاثين ومائتين وألف، وقرر على كل فدان مبلغا معينا. فعرف الناس ما عليهم، بعد أن كان غير معلوم، فاستراح الفلاحون نوعا.
وجعل لمشايخ البلاد على كل مائة فدان خمسة أفدنة، وسماها «مسموح المشايخ».
وأبطل عمل الشمع الزفر بالبيوت، وجعل له معملا. وأبطل الذبح بالبيوت أيضا، وجعل المذبح ميريا، ورتب على كل رأس تذبح مبلغا، وجعل السقط والجلد للديوان، ودخل فى سلك النظامات والروابط أنوال الحياكة والحصر والصابون، والمخيش، والقصب والتلى، ووكالة الجلابة، وعسل النحل.
وأعطى الملاحة التزاما، وجعل لهذه الأمور ديوانا وكتابا، وكذا جعل لما يتحصل للديوان من محصول المزروعات أشوانا بالبلاد، تورّد إليها الفلاحون ما يتحصل عندهم بثمن مقدر، فيخصم منه ما عليهم من الأموال، ويصرف لهم ما يبقى أو يعطى لهم به رجع طلب، ثم يباع منها لتجار الإفرنج، وغيرهم.
وجعل للأرز دوائر، وأمر بحفر آبار بأرض الوادى، وأن يزرع حولها شجر التوت فما كان غير قليل، حتى نما الشجر وعظم، فأحضر من الشام وغيرها أهل الخبرة بتربية دود القز، وصنع معامل الحرير، فنتج وصار من جملة محصولات مصر.
[استيلاء العزيز محمد على باشا على الأقطار السودانية]
ثم تراءى للباشا أن يبعد عسكر الأرنؤود عن القطر لما يعرف فيهم من شراسة الأخلاق، ورأى أن أهل بلاد السودان يحصل منهم التعدى على من جاورهم فى كثير من من الأحيان، فكان يريد إخضاعهم، فدسّ إلى الأرنؤود من أدخل فى ذهنهم أن بلاد السودان هى معدن الذهب ليرغبوا فيها، فيستريح منهم خاطره من جهة، ويؤدب السودانيين من الجهة الأخرى، ويحفظ حدود القطر من الجهة القبلية، مع توسيعها بقدر ما يلزم.
وقد كان ذلك، فانه بمجرد أن ندبهم إليها لبوا دعوته ممتثلين، فجعل ابنه إسماعيل باشا قائد تلك الجيوش، وأرفق معه محمد بيك الدفتردار، فتوجها بالجيوش إلى بلاد السودان.
واهتم بجمع تجريدة أخرى تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا، لتلحق بالأولى.