ولكن الباشا أكثر مصادرات من شمّ فيه رائحة الثروة، وتفريد الفرض على التجار وغيرهم، حتى تجرد الناس من أنفسهم.
[[ولاية محمد باشا خسرو]]
واستمر الحال على ما هو عليه زمن محمد باشا خسرو، كتخدا حسين باشا قبودان، الذى عقبه فى سنة ١٢١٦. وكان قد اتحدّ مع قبطان باشا على الغدر بالأمراء المصريين، إذا نزلوا بالغليون فى الإسكندرية لملاقاته. فلما حضر الأمراء، وأحسوا بما يراد بهم من القتل ثاروا، فحصلت مقتلة عظيمة، وتخلّص الأمراء، ولحقوا بالإنكليز الذين كانوا بثغر الإسكندرية.
وبلغ ذلك محمد بيك الألفى، وهو بالأقاليم القبلية، فأظهر العصيان، فتبع الباشا مماليكه وأتباعه، وكذا مماليك الأمراء وأتباعهم بالقتل والنهب، ونهب بيوت الأمراء وسبى حريمهم ونشأ عن ذلك ما نشأ من المفاسد المعتادة لهم.
***
ولما تولى بعده محمد باشا، أخذ فى قمع مفاسد العسكر، وشدّد فى عقابهم، وكان يطوف الحارات ليلا بنفسه، ومعه طاهر باشا، ويقتل على أقل ذنب، وجرّد على الأمراء القبلية عدة تجاريد، إحداها تحت رياسة المرحوم محمد على سرجشمة، فغلبهم القبلية، وشدّد فى أمر الحسبة، حتى خزم أنوف الخبازين، وعلّق فيها الخبز الناقص، وكذا الجزارون، فحسن الحال نوعا، وأمن الناس بعض الأمن، وأبطل الرطل الزياتى، الذى كان يكال به الأدهان، وكان وزنه أربع عشرة أوقية، واستعوضه برطل وزنه اثنتا عشرة أوقية، وبقى للآن.
واتخذ جملة من العبيد والتكرور، وأسكنهم بقلعة الظاهر، وسمّاهم بالنظام الجديد، واهتم بعمارة مسجد السيدة زينب ﵂.
ومع ذلك كان غشوما جهولا عجولا فى أموره محبا لسفك الدماء، ولم تسكن ثائرة الاضطراب، فان الأمراء فى الجهة القبلية كانوا دائما يشنون الغارة على البلاد، حتى نهبوا الفيوم، وقتلوا كثيرا من أهله، ونهبوا بلادها، وكذا الجيزة، وبنى سويف، وقطعوا الجسر الأسود، وتقابلوا مع العساكر العثمانيين فى دمنهور، فحصل بينهم وقعة عظيمة، انهزم فيها العسكر، فكانت الحرب عامة لجميع أنحاء القطر. والفرض والغرامات تطلب من التجار.