لمّا حضر مراد بيك بجموعه إلى الجيزة، وعسكر إبراهيم بيك بجيوشه فى مصر العتيقة مقابلا لها، واستمر هذا الحال بهم عشرين يوما، وكان ضرب المدافع متراسلا بينهم فى تلك الأيام جميعها، واشتد الكرب بأهل المدينة، وخلت الرقع والأشوان من الغلال، وحاق بالناس كل مكروه.
وأخيرا حصل الصلح بين إبراهيم بيك ومراد بيك، فخاف أمراء حزب إسماعيل بيك عاقبة هذا الصلح لما تبين لهم من خيانة إبراهيم بيك، فهاجروا من مصر، فسابقهم عسكر إبراهيم بك ومراد بيك والعرب من خلف الجبل، فقطعوا طريقهم، وقتلوا منهم ما لا يحصى، وشتتوهم، ثم رجعوا، فاحتاطوا بأملاكهم، واستولوا على عيالهم وأموالهم.
ومذخلا الجو من إسماعيل بيك وعائلته لم يحصل اتفاق بين إبراهيم بيك ومراد بيك، بل زاد ظلم مراد بيك وتعديه هو وجماعته، وكثر منهم النهب والسلب والقتل، فقام إبراهيم بيك بعزوته إلى الصعيد، فعزل مراد بيك الوالى، وتصرف فى أمور البلد، بصفة قائم مقام، وأعطى رجاله ومماليكه المناصب السامية، وفرّق عليهم أملاك الفارين، وجرت بينه وبين إبراهيم بيك أمور لا خير فيها، فسعى بينهم المشايخ والأمراء فى الصلح، حتى تم ذلك.
***
[الطاعون والغلاء سنة ١١٩٩]
وفى سنة تسع وتسعين ومائة وألف عمّت البلوى بمصر من الطاعون، فكانت هذه الأيام ليس لها مثيل فى الشدائد، لما حصل فيها من الغلاء والفناء والفتن، وقصور النيل، وتواتر المصادرات والمظالم، وتعدّى الأمراء، وانتشار أتباعهم فى النواحى لجلب الأموال من القرى والبلدان، وإحداث أنواع المظالم لأى نوع كان، من تسمية البعض مال الجهات، والبعض رفع المظالم، وغير ذلك، حتى أهلكوا الحرث والنسل، وقل الزرع، وضاق الذرع، واشتد الكرب، وتشتت الفلاحون من بلادهم، فخربت أغلب بلاد الأرياف.
ومذ رأوا أنه لا فائدة فى الفلاّح، حولوا الطلب على الملتزمين، وبعثوا لهم فى بيوتهم، فاحتاج مساتير الناس لبيع أمتعتهم ودورهم ومواشيهم وحواشيهم، مع ما هم فيه من المصادرات الخارجة عن الحد، وتتبعوا من يشم فيه رائحة الغنى أيضا، فأخذوه وحبسوه، وكلفوه فوق طاقته أضعافا، ووالوا طلب السلف أيضا من تجار البن والبهار عن المكوسات المستقبلة.