يشربون الشاى، وينصرفون. وهكذا يفعل فى الليلة الثانية والثالثة إلى ليلة عاشوراء، فيتوسعون فى الوليمة، ويكثرون من دعوة الأمراء والأعيان، ثم بعد الساعة الثانية من الليل يتهيأون فى صورة موكب يحضره كبيرهم وصغيرهم، ويصطّفون صفوفا وبأيديهم السيوف، وبين صفوفهم شاب على حصان ملبسه كملبسهم البياض، فمتى انتظموا مشوا نحو المشهد الحسينى، وهم يصيحون ويقولون:«حسن حسين»، ويبكون بحزن، ويضربون جباههم وصدورهم، بما فى أيديهم من السلاح، والدم يسيل على ملابسهم، ومتى كانوا عند المشهد وقفوا برهة، ثم يعودون إلى المنزل من طريق أخرى على الصورة، التى ذكرناها.
وعند الشيعة فى بلاد الفرس يعتنى بليلة عاشوراء، ويعمل فيها مثل ذلك، بل أكثر.
والمقريزى تكلّم بالإطناب على ما كان يعمل فى يوم عاشوراء، قبل وجود المشهد الحسينى بالقاهرة، فمما قاله: إن خلقا كثيرا من الشيعة وأشياعهم كانوا انصرفوا إلى المشهدين؛ قبر كلثوم ونفيسة، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين ﵇، وكسروا أوانى السقائين فى الأسواق، وشققوا الزوايا، وسبّوا من ينفق فى هذا اليوم، وتغلق الناس الدكاكين وأبواب الدور، وتتعطل الأسواق.
وقال: إن مصر كانت لا تخلو منهم فى أيام الإخشيدية والكافورية فى يوم عاشوراء عند قبر كلثوم وقبر نفيسة، وكان السودان وكافور يتعصبون على الشيعة.
وفى كل سنة فى هذا اليوم تتعطل الأسواق، وتخرج المنشدون إلى جامع القاهرة، وينزلون مجتمعين بالنوح والنشيد، وكانوا يقفون على الحوانيت، لإخذ شئ من أربابها، حتى أن قاضى القضاة عبد العزيز بن النعمان جمع المنشدين وأمرهم أن لا يتكسبوا بالنوح والنشيد، ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء.
[مطلب سماط يوم عاشوراء فى أيام الأفضل]
ثم لما استجدّ المشهد الحسينى بالقاهرة، زاد الاعتناء بيوم عاشوراء، وقد وصف المقريزى السماط المختص بيوم عاشوراء فى أيام الأفضل فقال: وفى أيام الأفضل ابن أمير الجيوش عبى السماط المختص بعاشوراء؛ وهو سفرة كبيرة من أدم، والسماط يعلوها، وجميع الزبادى أجبان وسلائط ومخللات وجميع الخبز من شعير، وخرج الأفضل وجلس على بساط من صوف، من غير مشورة، واستفتح المقرؤون، واستدعى الأشراف على طبقاتهم، وحمل السماط لهم، وقد عمل فى الصحن الأول الذى بين يدى الأفضل إلى آخر السماط عدس أسود، ثم بعده عدس مصفّى إلى آخر السماط، ثم رفع وقدمت صحون جميعها عسل نحل.