وفيه أيضا: أن رجلا روميا واعظا جلس يعظ الناس بجامع المؤيد سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف وازدحم عليه المسجد وأكثرهم أتراك، ثم انتقل عن الوعظ وذكر ما يفعله أهل مصر بضرائح الأولياء وإيقاد الشموع والقناديل عليها وشنع على ذلك وعلى من يقول بالاطلاع على اللوح المحفوظ. وذكر: أنه لا يجوز بناء القباب على ضرائح الأولياء والتكايا ويجب هدم ذلك، وذكر أيضا وقوف الفقراء بباب زويلة فى ليالى رمضان.
فلما سمع حزبه بذلك خرجوا بعد صلاة التراويح ووقفوا بالنبابيت والأسلحة، فهرب الذين يقفون بالباب فقطعوا الجوخ والأكر وهم يقولون: أين الأولياء؟.
فذهب بعض الناس إلى العلماء بالأزهر وأخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى من الشيخ النفراوى والشيخ أحمد الخليفى بأن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت، وأن إنكاره اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك، وأخذ بعضهم تلك الفتوى ودفعها للواعظ وهو فى مجلس وعظه؛ فلما قرأها غضب وقال: أيها الناس إن علماء بلدكم أفتوا بغير ما ذكرت لكم وأريد أن أباحثهم فى مجلس قاضى العسكر، فهل منكم من يساعدنى على ذلك وينصر الحق؟، فقالوا له: نحن معك لا نفارقك. فنزل عن الكرسى واجتمع عليه زيادة عن ألف نفس، ومر بهم من وسط القاهرة إلى أن دخل بيت القاضى قريب العصر فانزعج القاضى وسألهم عن مرادهم.
/فقدموا إليه الفتوى وطلبوا منه إحضار المفتين والبحث معهم، فقال القاضى: اصرفوا هذا الجمع ثم نحضرهم ونسمع دعواكم. فقالوا: ما تقول فى هذه الفتوى؟. قال: هى باطلة. فطلبوا منه أن يكتب لهم حجة ببطلانها، فقال: إن الوقت قد ضاق والشهود ذهبوا إلى منازلهم. وخرج الترجمان وقال لهم ذلك فضربوه واختفى القاضى بحريمه وما وسع النائب إلا أن كتب لهم حجة حسب مرامهم.
ثم اجتمع الناس وقت الظهر بالمؤيد لسماع المواعظ على عادتهم فلم يحضر لهم الواعظ فسألوا عن المانع من حضوره، فقال بعضهم: أظن القاضى منعه من الوعظ. فقام رجل متهم وقال: أيها الناس من أراد أن ينصر الحق فليقم معى. فتبعه الجم الغفير.
فمضى بهم إلى مجلس القاضى، فلما رآهم القاضى ومن فى المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر الشهود ولم يبق إلا القاضى فدخلوا عليه وقالوا له: أين شيخنا؟ فقال: