فيما عاد على الإسكندرية من فوائد السكة الحديد، والإشارات التلغرافية
من المعلوم أن هذه الأعمال، التى تقدم الكلام عليها، وإن كانت فوائدها كثيرة منها:
بلوغ مدينة الإسكندرية الدرجة التى وصلت إليها، لكن أعظم هذه الأعمال وأحق ما يصرف فيه نفائس الأموال، هو السكة الحديد والإشارات التلغرافية، لأن هذين الاختراعين من بين سائر الاختراعات البشرية، قد رفعا عن الإنسان أنواعا من المشاق وقرّبا له ما بعد من الآفاق، حتى أمكنه فى أقرب زمن أن يتحصل على ما كان يحاوله فى آلاف من الناس، وكثير من الوسائط فى زمن طويل، وهيهات إن وصل إلى مقصده، أو تحصل على مقصوده، وقد تيسر بهمة الدولة المحمدية العلوية اشتمال الديار المصرية، كغيرها من البقاع المتمدنة على هذين الاختراعين والانتفاع بهما، غير أن كمال أعمالهما، وبلوغ ما يحصل منهما من الفوائد لم يتم إلا فى عهد الخديوى، أفندينا إسماعيل باشا حفظه الله، فإنه من حين جلوسه على تخت الحكومة المصرية، وجه كل أفكاره إلى تنظيم السكك الحديد والتلغرافات المصرية، وتحصيل لوازمهما، وتوسيع دائرة عملهما، وتوزيع فروعهما فى جميع أرجاء قطره حتى عم نفعهما، وعما قليل بواستطهما تلتحق الأمم السودانية-التى لم تغيرها المؤون من السنين عن التبربر والتوحش-بالديار المصرية، وتذوق لذة ثمرة التمدن والعمارية، وتزول من بين سكانها دواعى النفرة وأسباب الفقر، وتعمر أرضها الواسعة ونواحيها الشاسعة بأنواع المزارع، وتكثر بها المدن والقرى، ويسكنها الأغراب مع الأمن، ويطوفون بقاعها، ويختبرون خواصها، ويستخرجون خباياها، وتتصل البلاد المصرية بالسودانية، فيكتسب كل منهما طبع الآخر، وتتسع دائرة المنافع فى كلا القطرين.