وبالاستمرار على ذلك تحسن أحوال البلاد السودانية، وتسرى رفاهيتهم وتمدنهم إلى من جاورهم من الأمم المتوحشة، المنتشرة فى داخل إفريقية وفى سواحلها.
ومع تردد المصريين والأغراب من سائر الملل على بلادهم بأنفاس ومساعى الحضرة الخديوية، تتخلص بقعة إفريقية من ربقة أسر الجهل والتوحش، كما تخلصت بلاد أمريكا من توحشهم بدخول الأندلسيين والإفرنج ببلادهم، وكما تخلصت جهات من الهند والسواحل الصينية والأوقيانوس بدخول الإنكليز بها.
وتكون هذه النتيجة وحدها كافية فى تخليد ذكر الحضرة الخديوية، كافلة له بسبقه على من تقدمه فى هذه المزية، فإنه أول من تفكر فى أحوال الأقطار السودانية، وسمح لها بنصيب من المنافع الجمة التى تعم سائر الأقطار، فعلى كل إنسان أن يدعو له بطول أيامه، وتوفيقه لطريق الصواب فى أحكامه، إذ من فوائد ذلك إمكان السياحة فى هذه القطعة من الدنيا، والاطلاع على ما تشتمل عليه بأقل كلفة فى أقرب زمن، بعد أن كان من يقصد ذلك، مع عدم بلوغه لتمام مقصوده، يستغرق زمانا طويلا، ويقاسى من الغوائل والعوارض ما يضر بصحته، وربما اعتراه من المرض ما يؤدى إلى هلكته-إن سلم من الحيوانات المفترسة وسكان تلك الجهات-فكان المتصدى للوصول إلى هذه البقعة مخاطرا بنفسه، غير خاف عليه ما هو أمامه من الأهوال، وإنما يحمله على اقتحام تلك المشاق طمعه فى تحصيل أغراضه، وقصده نفع النوع الإنسانى.
فالآن قد هانت بالهمم الخديوية مستصعبات أمور السياحة، بما تمهد من وسائط الأمن كالحراسة والخفارة من قبل إتمام السكك الحديد، وسهلت طرق السير فى جميع أرجاء الأقطار السودانية الممتدة إلى دائرة الاستواء طولا، ومن ساحل البحر الأحمر إلى بلاد دارفور عرضا، وبما صرف من طرف الحضرة الخديوية من الأموال، وما بذله رجاله من الأعمال، أخذت أحوال أهل تلك البقاع المتفرقة فى الاستقامة، وقد سمع المتبربرون من أهل تلك الجهات بالشهرة الخديوية فخافوها، كما سمع بها من سامتهم من متمدنى تلك البقاع فعظموها.