فلما استقر أمر الإسلام وتعينت جهات الجبايات، واعتاد المريض الداء، لم يسلم الناس من بلايا متواترة وهموم متتابعة، بسبب تبدل العمال عليهم، واختلاف آرائهم فيهم، وتفاوت أنظارهم إليهم، إلى أن كانت الدولة العلوية العبيدية الداخلة من المغرب إلى مصر، فصارت مصر مملكة مستقلة غير ولاية تابعة، واطمأنت الناس قليلا وتراجعت إليهم نفوسهم.
[[الملوك العبيديون وعودة الاحتفال بوفاء النيل]]
وتذكروا عادات أسلافهم، فلم تزل القبط تتداخل مع الملوك العبيديين ويحملونهم على تجديد عاداتهم وإجراء رسومهم حتى أعادوا عيد وفاء النيل، وصار ما يعمل فيه يتزايد على سبيل التدريج، إلى أن وصل غاية بعيدة، وحالة عالية، كما أشار إلى تفصيل ذلك المقريزى فى خططه، حيث قال/ ما ملخّصه:
[[مطلب ركوب الخليفة إلى ناحية مقياس النيل]]
إن ركوب الخليفة بنفسه فى موكب حافل إلى ناحية مقياس النيل؛ لكون فتح الخليج، وإقامة موسم الوفاء بحضرته، أمرا اتخذته الملوك العبيدية سنة مستمرة، غير أنه لم يكن ذلك على صورة واحدة كما هو الشأن فى العادات التى تتخذها الدول، فإنها لم تزل تزداد بازدياد الدول، فغاية ما كان من المعز لدين الله، وهو أوّل الملوك العبيديين بمصر، أنه ركب يوم الوفاء من قصره فى موكب من الأمراء والعساكر، حتى أتى موضع المقياس، ونزل هناك، وفتح الخليج بحضرته، ثم عاد فى موكبه من طريق آخر حتى دخل القصر.
وأما ما كان بعد ذلك بمدة، فهو ما أذكره لك وهو: أنه إذا كانت ليلة خمس وعشرين من شهر بؤونة، مضى صاحب المقياس إليه، وعرف زيادة النيل، وفى صبيحتها يكتب بها إلى الخليفة فيعلمه. وكانوا لا يطلعون أحدا عليها غير الخليفة والوزير، فعند ذلك يصدر أمر الخليفة بتجهيز ما يلزم لموسم يوم الوفاء.