للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزالت تلك العادة من ذاك العهد، ثم إنه لتكبره حتى على السلطان نفر منه السلطان، وألقى إليه الأمراء فيه، وحذروه منه، وقالوا له: إن لم تقتله قتلك، فوجه السلطان أفكاره لهذا الأمر، حتى قبض عليه فى الإيوان وأرسله إلى الإسكندرية، فسجنه بها مدة، ثم قتله فتحشدت مماليكه، وكانوا نحو ثمانمائة، ووقع الحرب بينهم وبين عساكر السلطان فى الرميلة، فقتل غالبهم، ونهبت دورهم ودور سيدهم وخانقاهه ودكاكين الصليبة، وكان أمرا مهولا.

وحينئذ كان الموت واقعا بمصر، فخرج السلطان إلى الجيزة، وذلك سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وكان قد أهداه بعض ملوك اليمن بخيمة غريبة الشكل، بديعة الصنعة، بها قاعة وحمام، فنصبها هناك، وصار الناس يذهبون للتفرج عليها، فأقام بها ثلاثة أشهر، وكان قد جعل أمور مصر بيد مملوكه يلبغا، فأوقع بعض الأمراء بينه وبين السلطان، فكان السلطان يخشاه على نفسه، وأضمر أن يقتله، وأراد أن يكبسه فى مخيمه، وعلم يلبغا منه ذلك، فأخذ حذره، فكمن للسلطان فى طريقه، فوقعت أمور آلت إلى قتل السلطان فى تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة.

ومن إنشائه المدرسة المعروفة الآن بجامع السلطان حسن بين الرميلة وحدرة البقر، وكذا أنشأ بالقلعة قاعة البيسرية سنة إحدى وستين وسبعمائة، فجاءت فى غاية الحسن، لم ير مثلها فى المبانى المملوكية، ارتفاعها فى السماء ثمانية وثمانون ذراعا، وعمل بها برجا من الأبنوس المطعم بالعاج، وله باب يدخل منه إلى أرض كذلك، وفيه مقرنص قطعة واحدة، يكاد يذهل الناظر إليه بشبابيك ذهب خالص، وطرازات ذهب مصوغ، وشرافات ذهب مصوغ، وقبة مصوغة من ذهب، صرف فيه ثمانية وثلاثون ألف مثقال من الذهب، وصرف فى مؤنه وأجره تتمة ألف ألف درهم فضة، منها خمسون ألف دينار ذهبا، وبصدر إيوان هذه القاعة شباك حديد يقارب باب زويلة، يطل على جنينة بديعة الشكل. وجملة ما دخل فيها من الفضة البيضاء الخالصة المضروبة، مائتا ألف وعشرون ألف درهم، كلها مطلية بالذهب.

وفى أيام سلطنته أنشأ جامع شيخو وخانقاهه، وخانقاه صرغتمش.

***

[تولية صلاح الدين محمد بن المظفر حاجى السلطنة]

ويوم موته تولى الملك بعده ابن أخيه السلطان صلاح الدين محمد بن المظفر حاجى، ولقب بالمنصور، وعمره أربع عشرة سنة، واستبد بتدبير الأمور الأمير يلبغا العمرى.