يلبغا، وقتله فى يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وكان ملكا شجاعا، بطلا مهيبا، نافذ الكلمة، محبا للرعية، وفتحت فى أيامه جملة قلاع، غير أنه كثيرا ما كان يصادر أرباب الوظائف، ومات عن سبع وعشرين سنة، منها فى السلطنة عشر سنين ونصف فى المرتين، وخلف من الأولاد عشرة من الذكور، وستة من البنات، وكان قد وقع فى نفسه التخلص من إمرة المماليك، لكثرة ما كانوا يحدثونه من الفتن والثورة على الملوك، طمعا فى السلطنة، فصار يولى الوظائف لأولاد الناس، لكنه لم يتم له ما أراد لضيق مدته عن إتمام ذلك، وكثرة الأحزاب.
وفى مدة سلطنته جعل الأمير شيخو العمرى أميرا كبيرا وهو أول من سمى بأمير كبير، وصار الحل والعقد إليه، وإلى الأمير صرغتمش، وكان بينهما وبين الأمير طاز عداوة، وكان غائبا، فلما حضر، قبض عليه وسجنه، ثم عفا عنه، وجرت معه أمور آلت إلى قتله.
وفى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، قام أحد المماليك على الأمير شيخو فى الديوان وضربه بخنجر ثلاث ضربات فى وجهه، فقاموا عليه وقتلوه، وبقى شيخو مريضا بجراحاته ثلاثة شهور فى داره بحدرة البقر، التى هى الآن حوش بردق، ثم مات من ذلك، ودفن فى خانقاهة التى فى الصليبة، وكانت عدة مماليكه سبعمائة، وبلغ من العز والسطوة مبلغا لم يبلغه غيره، وصادر أكثر العمال والأمراء من مماليكه ورجاله، وكثرت أمواله حتى صار دخل أملاكه فى اليوم مائتى ألف درهم نقرة سوى الإنعامات السلطانية والتقادم التى ترد إليه من الشام ومصر، والبراطيل على ولاية الأعمال.
وبعده استقل صرغتمش بالكلمة، وصار رأس نوبة النوب، وأتابكى العساكر، وضرب فلوسا جديدة، كل فلس زنته مثقال، فشمل الناس من ذلك ضرر عظيم. ومنع ما كان مرتبا للديور والكنائس من ديوان الأحباس، وكان نحوا من خمسة وعشرين ألف فدان، فبطل من حينئذ ما كان بأيدى النصارى من الرزق، ووزع كل ذلك على الأمراء، وهدم كنيسة شبرا التى كانت تعرف بكنيسة الشهيد، وكان بها إصبع يعرف بإصبع الشهيد، كانوا يضعونه فى النيل، ليزيد به فى زعمهم.
وذلك أنهم كانوا كل سنة فى ثامن بشنس يحتفلون بذلك، ويزعمون أن إلقاء إصبع الشهيد فى هذا الأوان يجلب زيادة النيل، ويجتمع لذلك خلائق لا يحصون من مصر والقاهرة وضواحيهما، وينصبون الخيام على ساحل النيل وفى الجزائر، ويصرفون فى ذلك أموالا لها صورة، ويكون يوم قصف وشرب وملاعب زائدة، فهدم صرغتمش الكنيسة، وأحرق الإصبع فى قراميدان.