المسافة الكائنة بين منبعه وأرض مصر، تيقظت الحكومة الخديوية لذلك؛ لأجل أن تكون على بصيرة مما يلزم عمله بالنسبة للأقطار المصرية فى حال الزيادة البالغة وعكسها، لحفظ المزروعات ووقاية البلاد والأهالى، وامتد بعناية الخديوى إسماعيل باشا عزيز مصر خطوط تلغرافية فى جميع مديريات الأقطار السودانية متصلة بخطوط مصر، وعمل مقياسا بالخرطوم وتجدد مقياس أسوان القديم. وبهذه الوسائل الخيرية سهل على الحكومة بل وعلى كل رجال القطر معرفة حال النيل قبل أن يدخل الديار المصرية، بما يصل من الأخبار التلغرافية فى كل يوم، وتمكنت الحكومة بهذه الأعمال وبما تجدد من الترع والخلجان والمبانى من انتظام أحوال الرى، ومن ثم انصلح حال الزراعة، ونمت البركة فى جميع أرجاء القطر، وحفظت أهله من غائلات القحط والغلاء اللذين كانا ملازمين لسكان هذا القطر فى المدد الماضية، وتسبب عنهما خلوه من أهله مرارا، وتعطل أغلب أراضيه الزراعية، وكسيت بالرمل أو سطا عليها ماء البحر المالح وصارت قحلة بعد أن كان يضرب بخصبها الأمثال.
وسنذكر إن شاء الله تعالى بعد مقياس الروضة كلا من المقاييس الثلاثة المستعملة الآن وهى: مقياس مدينة الخرطوم، ثم مقياس مدينة أسوان، ثم مقياس القناطر الخيرية.
ولتمام الفائدة نتكلم على مقياس «اتفو» وإن كان غير مستعمل.
[(حالة المقياس والمبانى الملحقة به)]
وفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف كان من يريد التفرج على المقياس يخرج من القاهرة، ومتى وصل إلى بيت إبراهيم بيك الذى هو الآن «قصر العينى»، يجد قنطرة من المراكب موضوعة على فرع النيل الواقع بين الجزيرة ومصر العتيقة، فيمر عليها إلى بر الجزيرة، ويمشى فى الجزيرة فى وسط حدائق بعضها محاط بسور، وبعضها مجرد عنه فى طريق عليه أشجار