بعد أن تمهدت قواعد الحكومة بزوال ما كان من الفتن الثائرة فى مبدأ جلوس العزيز محمد على باشا، حصلت العناية منه بتدبير أمر الثروة فى هذه الأقطار، والنظر فيما يوجب ازدياد خصوبة أرضها، وحيث كان النيل هو أس الثروة والبركة، صار الاحتفال بشأنه، وشأن توزيع مياهه على القرى والنواحى على وجه به يمتنع ما كان يحصل من غرق وشرق، بسبب ما كان يحصل من الإهمال بحفظ الجسور، وتطهير الترع، وانشقت ترع كبيرة فى جميع جهات القطر، وبنى عليها كثير من القناطر والهويسات، ومن ذلك أمكن ضبط مياه النيل وتوزيعها على الوجه الأتم، وانقطعت بذلك أسباب المضرات التى كانت تتعاقب على أرض القطر وأهله، فكان ينشأ عنها تعاقب القحط والوباء، وحيث أن انتظام هذا التوزيع لا يكون إلا بضبط أحوال النيل فى الزيادة والنقص، وكان المقياس هو الآلة المعدة لذلك، أخذت الحكومة فى الاحتفال بشأنه والاعتناء بأمره، وتعين الشيخ مصطفى المنادى شيخا على المقياس، وترتب له مرتب من فيض الإحسانات الداورية، ولما مات تعين بدله ولده الشيخ على المنادى، الذى كان مفتيا بديوان الأوقاف، وأعقبه ابن عمه الشيخ حسن المنادى، وبعده الشيخ إبراهيم المنادى من أقاربه، وتوفى الشيخ إبراهيم المنادى المذكور سنة إحدى وتسعين. ورجع المقياس إلى الشيخ الصواف؛ لأنه من ذرية ابن أبى الرداد وشهرة بيتهم «ببيت المقياس».
وفى كل سنة تتعين المهندسون للكشف على المقياس وإجراء ما يلزم له من التطهير والتعمير، وأحوال النيل من حيث الزيادة والنقص، تضبط فى دفاتر مختصة بها محفوظة بديوان المحافظة بمصر، وحيث أن أصل زيادة النيل المبارك منشؤها ما يأتى من جهة أرض الحبش داخل الإفريقية من المياه، وقبل أن تصل الأقطار المصرية من شلال أسوان تبقى زمنا تقطع/فيه