للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الملك الأشرف قايتباى فارسا، وافر العقل، حازم الرأى، غير عجول فى الأمور، بطئ العزل لأرباب الوظائف، محبا لجمع الأموال.

***

[تولية السلطان محمد بن السلطان قايتباى]

ثم تولى السلطنة ابنه السلطان محمد أبو السعادات، وعمره أربع عشرة سنة، ولقّب بالملك الناصر، فخلع على المقر السيفى قانصوه المعروف بخمسمائة، وجعله أتابك العساكر، عوضا عن تمراز الشمسى. وكان الأتابك متطلعا إلى السلطنة، فحشد المماليك، واستولى على باب السلسلة، والسلطان وقتئذ بالقلعة، وتعصّب معه العصاة، وولوه سلطانا، ولقبوه بالأشرف قانصوه وبايعوه، ومكث يدعى سلطانا، بغير رسم أجرى له، أحد عشر يوما.

وكان السلطان فى القلعة، فأراد قانصوه دخولها، فلم يتمكن، وجمع السلطان عبيده ومماليكه، وهجم عليه، فحصل بينهم مقتلة عظيمة آلت إلى انهزام قانصوه وجماعته، وتفرقوا فى طرق المدينة، وتبعتهم العبيد والمماليك بالقتل، ومن نجا منهم فرّ مع قانصوه إلى البلاد الشامية.

وفى هذه الوقعة نهبت جهة الأزبكية، بسبب أن قانصوه بعد انهزامه اختفى مدة، ثم ظهر واستقر ببيت الأمير أزبك، والتف عليه جماعة من الأمراء، فلما أحس بنزول المماليك والأمراء السلطانية إليه، تسّحب وهرب، فخرّب العساكر جهة الأزبكية وما يليها، وعاثوا فيها بالحريق والنهب، حتى نهبوا ما كان بجامع أزبك من فرش وغيرها.

وفى تلك الأيام كان آق بردى قادما من الشام باستدعاء السلطان له، فتلاقى مع قانصوه المذكور، وهو قاصد إلى الشام، فحصلت بينهما عند خان يونس وقعة عظيمة، انكسر فيها قانصوه، وقتل كثير ممن كان فى صحبته، واستولى آق بردى على ما كان معه، وأرسل إلى مصر برؤوس كثير من القتلى، وفيها رأس قانصوه. وقيل إنه اختفى، ولم يعلم له أثر، فلما وصل آق بردى إلى مصر، لم تستقم له الحال، بل حصل بينه وبين المماليك فتن وأمور يطول شرحها، حتى إنه حاصر القلعة، واستمر الحصار والقتال بينه وبين من كان فى القلعة مع السلطان فوق ثلاثين يوما، كانت فيها القاهرة معطلة الأسواق، مقفلة الدكاكين، وامتنع فيها البيع والشراء، ولم يكن أحد سوى العسكر يجسر أن يمشى فى طرقاتها، ثم انتهى أمر ذلك بانكسار آق بردى، وخروجه متسحبا إلى الجهات الشامية، فنزلت المماليك والعبيد من القلعة، وانتشرت فى أنحاء القاهرة للبحث عنه، وعمّن كان معه، وقتلوا من عثروا به منهم،