هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة، أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلى مولى الإمام أبى تميم معدّ الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله لما اختط القاهرة، وكان الشروع فى بنائه يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وكمل بناؤه لتسع خلون من رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكتب بدائر القبة التى فى الرواق الأول على يمنة المنبر والمحراب ما نصه بعد البسملة: مما أمر ببنائه عبد الله ووليه أبو تميم معدّ الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين، على يد عبده جوهر الكاتب الصقلى، وذلك فى سنة ستين وثلاثمائة، وأول جمعة جمعت فيه فى شهر رمضان لسبع خلون من سنة إحدى وستين وثلاثمائة.
ثم إن العزيز بالله أبا منصور نزار بن المعز لدين الله جدد فيه أشياء.
وفى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، أطلق لجماعة من الفقهاء ما يكفى كل واحد منهم من الرزق الناض، وأمر لهم بشراء دار وبنائها فبنيت بجانب الجامع، فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع وتحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلى العصر، وكان لخمسة وثلاثين رجلا من مال الوزير صلة فى كل سنة، وخلع عليهم العزيز يوم عيد الفطر وحملهم على بغلات.
ويقال: إن به طلسما فلا يسكنه عصفور ولا يفرخ به، وكذا سائر الطيور من الحمام واليمام وغيره، وهو صورة ثلاثة طيور منقوشة كل صورة على رأس عمود.
ثم إن الحاكم بأمر الله جدده ووقف عليه وعلى جامع المقس والجامع الحاكمى ودار العلم بالقاهرة رباعا بمصر، وضمن ذلك كتابا حددها فيه وبينها بيانا شافيا، ثم قال فى آخر ذلك الكتاب: يؤجر ذلك فى كل عصر من ينتهى إليه ولايتها ويرجع إليه أمرها بعد مراقبة الله واجتلاب ما يوفر منفعتها من إشهارها عند ذوى الرغبة فى إجارة أمثالها، فيبتدأ من ذلك بعمارة ذلك على حسب المصلحة وبقاء العين ومرمته من غير إجحاف بما حبس ذلك عليه، وما فضل كان مقسوما على ستين سهما، فمن ذلك للجامع الأزهر الخمس والثمن ونصف السدس