ودخل عمرو بالمسلمين الديار المصرية. فلما وصلوا شاطئ النيل، حصل هناك وقعة أخرى، ونصر على النصارى نصرة خلت له بها البلاد، وسهلت الطرق، فسار حتى وصل مدينة باب الأون، وكانت مكان مصر العتيقة الآن، وكان بها قلعة منيعة تعرف فى كتب العرب بقصر الشمع، فحاصرها المسلمون، وحصروا من فيها حصرا شديدا
والمقوقس، وإن كان وقتها يدافع، لكنه كان مائلا إلى الصلح مع المسلمين. حتى أنه فاتح عمرا فى ذلك، فرضى عمرو بما قرره المقوقس: من أن يدفع عن كل قبطىّ دينارين.
غير الهرم والنساء والأطفال.
[مطلب فى فتح إسكندرية]
وبعد ما تم الكلام بينهما، وعقدت الشروط، ذهبت العساكر الرومانية إلى إسكندرية، وتحصنت فيها لأنها هى التى بقيت فى حكمهم وحدها، وجميع الجهات المصرية-بحرية وقبلية-صارت فى يد المسلمين. وكان أخذ إسكندرية أهم شئ عند المسلمين؛ لأنها لو بقيت تحت يد الرومانيين لكانت معسكر رجالهم التى ترسل من القسطنطينية، وتكون منبع الغارات على مصر.
فلما رأى المسلمون ذلك، قام عمرو برجاله، وحاصرها محاصرة عنيفة، مدة أربعة عشر شهرا، حتى فتحها فى اليوم الحادى عشر من شهر ديسمبر الإفرنكى سنة ٦٤١، وكان المدد قطع عنها من مدة موت (هيراقليوس)، فأحاط الكرب بأهلها من الحصار، وجنحوا/للصلح. ولما دخلها المسلمون منعهم عمرو عن نهب الأهالى، والتعرض لهم بسوء.
وكان بالمدينة كتبخانة، لم يوجد مثلها فى الأقطار، لما اشتملت عليه من نفائس الكتب العلمية والكنوز العقلية، جمعها ملوك مصر السالفون. وادعى مؤرّخو الفرنج، أنه كان بالمدينة قسيس يعرف باسم (جان)، تعرّف به عمرو وأحبّه لعلمه، فرغب هذا القسيس أن يغتنم فرصة هذا الحب، وطلب منه أن يعطيه كتب الفلاسفة، فجنح عمرو لتنفيذ غرضه، لكنه خاف أن لا يأذن له أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، ﵁، فحرر