لا تمل مجالسته ولا معاشرته. ولما أنشأ الباشا مكتبا لتعليم علم الحساب والهندسة والمساحة تعين رئيسا ومعلما بذلك المكتب؛ وسبب ذلك أنه كان قد تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا، ورتب له خرجا وشهرية، ونجب تحت يده بعض المماليك فى معرفة الحساب ونحوه، وأعجب الباشا ذلك فذاكره فى ذلك فحسن له أن يفرد له مكانا للتعليم، ويضم إلى المماليك من يريد التعلم من أولاد الناس، فأمر الباشا بإنشاء ذلك المكتب وأحضر له آلات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الإنجليز وغيرها، واستجلب من أولاد البلد نحو الثمانين من الشبان ورتب لكل منهم شهرية وكسوة فى آخر السنة، وكان يسعى فى تعيين كسوة للفقير ليتجمل بها بين أقرانه، ويواسى من يستحق المواساة، ويشترى لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم إلى القلعة فيجتمعون كل يوم من الصباح إلى العصر، وأضيف إليه معلم آخر إسلامبولى له معرفه بالحساب والهندسة لتعليم من لا يعرف العربية يسمى روح الدين أفندى.
ثم مات المترجم بسبب أنه افتصد وطلع إلى القلعة فحنق على بعض المتعلمين وضربه، فانحلت الرفادة فسال منه دم كثير فحمّ واستمر أياما وتوفى، ودفن بجامع السراج البلقينى بين السيارج، وعند ذلك صرح الشامتون بما كانوا يخفون، فيقول البعض: مات رئيس الملحدين. ويقول آخر: انهدم ركن الزندقة. ونسبوا إليه أن عنده كتاب ابن الراوندى الذى ألفه لبعض اليهود وأنه كان يقرؤه ويعتقده، فتفحص عنه كتخدا بيك وفتش كتبه فلم يوجد بها. وما كفاهم حتى رأوا له منامات تدل على أنه من أهل النار والله أعلم بخلقه.
وبالجملة فكان غريبا فى بابه وكانت وفاته يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الثانية من سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف.
[جامع البنات]
هو فى خط بين السورين على يمنة السالك من قنطرة الأمير حسين إلى قنطرة الموسكى، بجوار سراى أم حسين بيك التى هى الآن فى ملك الأمير إبراهيم باشا نجل المرحوم أحمد باشا أخى الخديو إسماعيل. وله باب على الشارع وباب بالحارة المعروفة به، وهو متسع وبه منبر وخطبة، وبصحنه حنفية وبه صهريج، وله منارة جددتها ذات العصمة أم حسين بيك نجل العزيز محمد على باشا، فإنها أجرت فيه عمارة وأنشأت تجاهه سبيلا وحوضا، وله أوقاف كثيرة مقامة منها شعائره بنظر الشيخ سليم عمر إمام جامع القلعة.
وهو فى الأصل من إنشاء الأمير فخر الدين صاحب الضريح الذى به، وهو الذى عبر عنه المقريزى فى الخطط بجامع الفخرى وقال: هذا الجامع بجوار دار الذهب التى عرفت بدار