للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سلطنة سيف الدين أبو بكر]

ولما مات الكامل سنة خمس وثلاثين وستمائة، قام بالأمر بعده ابنه سيف الدين أبو بكر، ولقّب بالملك العادل الأصغر، فوقع بينه وبين أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب منازعات، أفضت إلى خنقه بيد الأمراء، لكونهم استوحشوا منه بسبب انهماكه على اللهو واللذات، واشتغاله بالشهوات عن تدبير مملكته. وكان موته سنة سبع وثلاثين وستمائة.

***

[مطلب سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب]

واستولى على السلطنة بعده أخوه الملك الصالح أبو الفتوح نجم الدين أيوب بن الكامل، فضبط الأمور، وسيّرها على نظام حسن، واسترد الأموال التى فرّقها أخوه بإسرافه وتبذيره، ومبلغها يزيد على سبعمائة ألف دينار، وقبض على كثير من الأمراء الذين اشتركوا فى قتل أخيه، وعوّضهم بغيرهم من مماليكه، ونظر فى عمارة أرض مصر، وحارب عرب الصعيد الذين كانوا يفسدون فى الأرض، ويخيفون السبيل.

وبنى قلعة جزيرة الروضة، بعد أن استأجر الجزيرة من ناظر وقف المدرسة التقوية لمدة ستين سنة، وتحول من قلعة الجبل إليها وسكنها، ورأى أن الماء فى فرع النيل الذى بينها وبين مصر العتيقة يجف فى زمن التحاريق، وتحول عن فوهة الخليج القديم التى كانت عليها قنطرة عبد العزيز بن مروان، فبنى قنطرة السد، الجارى المرور عليها إلى قصر العينى الآن، وحفر فرع النيل المتقدم ذكره، وكان يعمل فيه بجنوده، ويطرح بعض رمله بالساحل، فى مقابلة الجيزة، فعمّر هناك خواصّه الدور العظيمة فى قبالة الجامع الجديد الناصرى، الذى كان فى محل الحوش المعروف فى أيامنا هذه بحوش التكية بحرى جنينة السادات بمصر العتيقة.

وامتدت العمارة إلى المدرسة المعزية بآخر مصر العتيقة، ثم إن الملك الصالح أغرق عدة مراكب فى بر الجزيرة تجاه باب القنطرة خارج مصر العتيقة، فكثر الماء فى ذلك الفرع إلى المقس، وقطع منشأة الفاضل وخرّب جامعه وبستانه وسائر ما كان هناك من الأماكن، وكان ذلك بعد سنة ستين وستمائة.

ثم إن النيل قد انحسر عن أرض تمتد من قنطرة السد القديمة، وهى قنطرة عبد العزيز ابن مروان إلى آخر الساحل، وتربى هناك جرف، وحدث فى زمن السلطان الصالح نجم الدين رملة فى موضع الجامع الجديد، كانت الناس تمرغ فيها الدواب زمن احتراق النيل وانحسار