البحر أمامها، فلما عمّر السلطان قلعة الروضة صار كل سنة يحفر هذا الفرع بجنده وبنفسه، فكثرت العمارة على شاطئه، وأنعم ببستان من وراء الدور على امرأة مغنية كانت تعرف بالعالمة، فعرف البستان ببستان العالمة بالإضافة إليها - ومحله الآن جزء من بستان السادات، المقدم ذكره، وهناك ساقية ماء تعرف إلى يومنا هذا بساقية العالمة.
واتسعت العمارة فى الساحل من محل الجامع الجديد، إلى أن اتصلت بخط السيدة زينب ﵂ من الجانبين، فكانت المنازل على اليمين وعلى اليسار، والتلال التى ترى اليوم خارج البوابة هى آثار تلك المبانى، وكان هناك محل الصناعة حيث تعمل السفن، وتقول الناس الآن «ترسانة»، وهى محرفة من دار الصناعة، حرفها الترك، وكانت من العمارات الفاخرة - ومحلها تجاه قنطرة السد الموصلة إلى قصر العينى - ثم تخربت وبطلت فى الأزمان الأخيرة، ونشأ محلها بستان عرف ببستان ابن كيسان، فى محل التلال الموجودة على يمين السالك من مصر العتيقة إلى القاهرة، وكان أوله عند زاوية الحبيبى.
وكانت هذه الجهة من أعمر الجهات تتصل عمارتها بالعمارة الممتدة إلى الكبش وجبل يشكر، فكانت العمارة متصلة إلى دير الطين، وكانت جهة دير الطين، وما جاورها من بركة الحبش والبساتين والدور التى حولها من أحسن منتزهات أهل مصر والقاهرة، خصوصا فى أيام النوروز والغطاس والميلاد والمهرجان وعيد الشعانين، ونحو ذلك من أيام اللهو والقصف والعزف، فكان لا يبقى صغير ولا كبير إلا خرج إلى بركة الحبش، فيضربون هناك المضارب الحليلة والسرادقات والقباب والشراعات، ويخرجون بالأهل والولد، ومنهم من يخرج بالقينات المملوكة والحرائر، فيأكلون ويشربون ويسمعون ويتفكهون. ومثل ذلك كان يحصل على بركة الفيل وبركة قارون - وهى البغالة - وبركة الأزبكية.
وقد صارت بركة الحبش من مدة إلى الآن أرض مزارع يغمرها النيل زمن فيضانه إذا كان وافيا، فإن لم يكن وافيا شرقت كلها أو بعضها. ولم يبق من القصور والبساتين الفاخرة، التى بسط المقريزى الكلام فيها إلا التلال المشاهدة الآن فى تلك الجهات، وقد تكلمنا على طرف من ذلك عند الكلام على قرية البساتين.
وكان من أعظم تلك البساتين، بستان عرف ببستان الشريف بن ثعلب كان غربى البستان المقسى، ويمتد إلى النيل، وفى قبليّه أرض اللوق، تخلفت عن النيل كما سيأتى، وكانت مساحته خمسة وسبعين فدانا فيه سائر الفواكه، وجميع ما يزرع من الأشجار والنخل والكروم وأنواع الرياحين، وكان عليه سور وله باب جليل، وفيه منظرة وعدة دور، فاشتراه الملك الصالح نجم الدين بثلاثة آلاف دينار مصرية، وجعله ميدانا لتدريب مماليكه