للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجناده على السبق والرماية، وتمرينهم على الأعمال الحربية، وترك ميدان العزيز لبعده عن القلعة وازدحام الأبنية حوله.

وكانوا فى تلك الأحقاب مشتغلين بقتال النصارى، بسبب حروب الصليب التى كانت متتابعة من أيام نور الدين وصلاح الدين إلى ذلك التاريخ وما بعده، فاستدعت الحاجة إلى دوام الأهبة للحرب، والاستعداد له شراء هذا البستان، واتخاذ محله ميدانا كما ذكر، لكونه على طريق القلعة، ولما رأوا من موافقته للمطلوب إذ ذاك لسعة أرضه وامتداده، فإنه كان يمتد فى العرض من عند محل جامع الطباخ الموجود الآن بجهة باب اللوق إلى قنطرة قدادار التى كانت على الخليج الناصرى بقرب النيل، وقد زالت هذه القنطرة ومحلها بقرب دار حافظ أغا سفرجى الخديو اسماعيل باشا.

وكان هذا البستان يمتد طولا إلى جسر السلطان أبى العلاء الحسينى، وأنشأ الصالح فى هذا الميدان قنطرة جليلة على البحر، وصار يركب إليه من القلعة، ويلعب فيه بالكرة والصولجان، وجعل له بابا عظيما عند محل جامع الطباخ المذكور، ولذلك عرف الشارع الموجود عليه هذا الباب بشارع باب اللوق لكونه فى أرض اللوق.

وكان عمل هذا الميدان سببا لبناء قنطرة الخرق على الخليج الكبير. ومن حينئذ أخذ الناس فى العمارة بهذه الجهة حتى صار اللوق بلدا كبيرا، كما سنورده فى محله إن شاء الله تعالى.

ولم يكن اشتغال الصالح بالحروب فى تلك الأوقات يمنعه عن الاشتغال بتوسيع نطاق المعارف، وزيادة العمارة والآثار النافعة. ومن محاسن آثاره المدارس الصالحية بخط بين القصرين، دك أساسها فى سنة أربعين وستمائة، فلما كملت رتّب فيها دروسا أربعة لفقهاء المذاهب الأربعة فى سنة إحدى وأربعين وستمائة، وهو أول من أحدث إقراء دروس المذاهب الأربعة فى مكان واحد. وأنشأ المبانى خلف هذه المدارس، وجعل للمدارس أحكار تلك الأبنية.

وقد ملك الصالح فى أيام سلطنته مكة المشرفة، وغزا بلاد اليمن. وكان فطنا ذكيا حلو الفكاهة طاهر اللسان والذيل، يكتب أجوبته فى مخاطباته بيده، واستكثر من شراء المماليك وعتقهم وتأميرهم، وجعلهم أعز خاصته وبطانته، وكان إذا سافر أحاطوا بدهليز ملكه، وأطلق عليهم اسم المماليك البحرية. وكانت كثرتهم من البواعث على انقراض الدولة الأيوبية.

وكان موته بالمنصورة سنة سبع وأربعين وستمائة، وعمره أربعون سنة، أقام منها بالسلطنة بعد أخيه مدة تسع سنين وأشهر.