ومدينة القاهرة لها خمسة أبواب: باب النصر، وباب الفتوح، وباب القنطرة، وباب زويلة، وباب الخليج، وليست محاطة بسور حصين، ولكن السراى والمنازل شاهقة، وكل منها أشبه بقلعة، وأغلب البيوت من خمس أو ست طبقات، ومن حسن صنعتها وإتقانها يتوهم الناظر إليها أنها مبنية من أحجار ثمينة، وليست من جص ودبش، وجميع البيوت منفصلة عن بعضها، بحيث أن سور أحدها لا يمس سور الآخر المجاور له، وكل مالك يمكنه أن يبنى ويهدم من غير ممانعة من الجار.
[مطلب أول من تولى الخلافة من الفاطميين [وأوصاف قصره وما تضمه خزائنه من نفائس]]
وأول من تولى الخلافة منهم بديار مصر المعز لدين الله أبو تميم معد، وكان عالما فاضلا جوادا، حسن السيرة، منصفا للرعية، مغرما بالنجوم؛ أقيمت له الدعوة بالمغرب كله وديار مصر والشام والحرمين وبعض أعمال العراق، ولما قدم مصر ساس الأمور، ودبر الأحوال، ولم يأل جهدا فى الإصلاح، فانصلح حال مصر عما كانت عليه. ولما استقر بالقصر أمر بالزيادة فيه، وكان جوهر قد رتب به الدواوين ومواضع السكنى اللائقة بالخلافة، وأدار عليه سورا فى سنة ستين وثلثمائة.
وكان للقصر تسعة أبواب: ثلاثة فى الغرب، باب الزهومة، وباب الذهب، وباب البحر، وفى بحريه باب واحد كان يعرف بباب الريح، وفى جهته الشرقية ثلاثة؛ باب الزمرد، وباب قصر الشوك، وباب العيد، واثنان فى جهة القبلة؛ باب الديلم، وباب تربة الزعفران.
وكان القصر الكبير يشغل محل خان سرور والمدارس الصالحية والمدرسة الظاهرية وأرض الدكاكين والمنازل الكائنة فى صفّها، إلى رحبة العيد وأرض الحارات والأزقة والأماكن الموجودة خلف جميع ذلك إلى حارة البرقية، وقد بينّا جميع ذلك فى محلّه، وله عدة خزائن لحفظ ما تستدعيه رسوم الملك وأبهة الخلافة، ولوازم القصر وملحقاته، من الحلىّ وأنواع الزينة والأمتعة والفرش والثياب والذخائر، وما تحتاج إليه العساكر البريّة والبحرية كالسلاح والخيام والبنود، وما يتجمّل به الخليفة وخواصه وسائر رجاله وأتباعه، وما ينعم به فى أيام الأعياد والمواسم إلى غير ذلك.
وكانت هذه الخزائن كثيرة العدد، لكل منها نوع من الأنواع قد أعدت له، وكانت مشتملة على نفائس جليلة، ومهمات عظيمة، بالغة فى العظم والكثرة حدا لا تكاد تبلغه