للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العبارة، حتى إنّه كان للكتب خاصة من ضمن هذه الخزائن أربعون خزانة تشتمل - فيما حكاه بعضهم - على ألف ألف وستمائة ألف كتاب.

وفى ضمن ما كان فى خزانة الفرش والأمتعة مقطع من الحرير الأزرق التسترى القرقوبى، غريب الصّنعة، منسوج بالذهب وسائر ألوان الحرير، كان المعز لدين الله أمر بعمله فى سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة، فيه صورة أقاليم الأرض وجبالها وبحارها ومدنها وأنهارها ومساكنها شبه جغرافيا، وفيه صورة مكة والمدينة مبيّنة للناظر، مكتوب على كل مدينة وجبل وبلد ونهر وبحر وطريق اسمه بالذهب أو الفضة أو الحرير.

وكان فى خزائن الخيم عدة عظيمة من أعدال الخيم والمضارب، والفازات والمسطحات والجركاوات وغيرها، ومنها فسطاط يسمى المدورة الكبيرة يقوم على فرد عمود طوله خمسة وستون ذراعا بالكبير، ودائره خمسمائة ذراع، وكانت تحمل خرقه وحباله وعدته على مائة جمل، وفى صفريته المعمولة من الفضة ثلاثة قناطير مصرية، قد صور فى رفرفه صورة كل حيوان فى الأرض، وكل شكل ظريف، عمل فى أيام الوزير اليازورى. كان يعمل فيه مائة وخمسون صانعا مدة تسع سنين، وبلغت النفقة عليه ثلاثين ألف دينار، وكان عمله على مثال القاتول، الذى كان العزيز بالله أمر بعمله أيام خلافته، وكان أعظم من هذا … إلى غير ذلك مما يطول شرحه.

وعامة ما فى هذه الخزائن قد استلب وانتهب فى الشدة العظمى أيام المستنصر، وبيع ما بيع منه بأبخس الأثمان، فتبدّد ما كان فى تلك الخزائن من بدائع النفائس، وجلائل الذخائر، وأصبحت خالية خاوية، ولم تزل بها تقلبات الأيام وتصرفات الأحوال حتى تخرّبت بالكلية، واندرست معالمها، وانطمست آثارها، حتى جهلت مواضعها.

وقد أطال المقريزى رحمه الله تعالى القول فى هذه الخزائن، وذكر مشتملاتها، ويأتى فى الكلام على شارع النحاسين بيان مواضعها، والإلماع بما كان فيها.

وكان القصر الكبير منعزلا عن مساكن العسكر يحيط به الرحاب الواسعة، فكان فى غربيّه بين القصرين فضاء عظيم، يقف فيه من العساكر نحو عشرة آلاف، ورحبة باب العيد كذلك - كان أولها من جامع الجمالى إلى دار الأمير أحمد باشا رشيد - كانت تقف بها العساكر، فارسها وراجلها، فى أيام مواكب الأعياد ينتظرون ركوب الخليفة وخروجه من باب العيد، ولم يبتدأ بالبناء فيها إلا بعد سنة ستمائة من الهجرة، وكان بحذاء هذه الرحبة دار الضيافة المعروفة بدار سعيد السعداء، ويقابلها دار الوزارة الكبرى - التى محلها اليوم المكتب