ومع ذلك كان كثير الطمع والظلم، يصادر الناس، ويأخذ أموال من يموت، ومماليكه يظلمون الناس.
ووقعت بينه وبين السلطان سليم، ملك الدولة العلية العثمانية فتنة، والتقى جيشاهما بمرج دابق، شمالى حلب بمرحلة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، فانهزم عسكر الغورى، بمكيدة خير بك والغزالى، وفقد الغورى تحت أرجل الخيل.
***
[تولية الملك الأشرف طومان باى]
ثم تولى الملك بعده الملك الأشرف طومان باى الجركسى ابن اخيه، وبه انتهت مدة الجراكسة بمصر، وكانت مائة وإحدى وعشرين سنة. وكانت القاهرة قبلهم بلغت حدّها فى الاتساع. وبسبب ما كان يقع بها من الحروب المتوالية، والوباء والغلاء والحرق والفساد، وكانت تتقلب فى أطوار العمارة والدمار، فتستجد جهات، وتخرب جهات، فيصير العامر دارسا، والدارس عامرا، بحسب تغير الدول والأحوال.
وكان المعتنى بها كثيرا من مدة الدولة الأيوبية القلعة، فبنيت فيها المبانى الفاخرة، والقصور الزاهرة، وعمر ما حولها، فاتصلت بأسوارها العمائر بالمحجر والرميلة، وكانت مقر السلطنة. وكانت بها خزانة كتب أحرقت سنة إحدى وتسعين وستمائة. وكانت القلعة مسكن المماليك السلطانية، وخواص الأمراء بنسائهم ومماليكهم ودواوينهم وطبلخاناتهم وفرشخاناتهم وشريخاناتهم ومطابخهم، وسائر وظائفهم. وكان بها عدة أبراج لسجن الأمراء والمماليك، وجبّ هائل مظلم، كريه الرائحة، كثير الوطاويط، معد لذلك أيضا، قد عمّره الملك المنصور قلاوون سنة إحدى وثمانين وستمائة، وأبطله الناصر محمد بن قلاوون سنة تسع وعشرين وسبعمائة.
واستجد فى أيام الجراكسة عمائر فخيمة بالقاهرة وبولاق ومصر العتيقة، وكثرت القصور والبساتين فى ضواحى المدينة. وكان نطاق العمارة آخذا فى الاتساع، مع كثرة التقلبات وتواليها، لما أنهم كانوا يتنافسون ويتفاخرون فى بناء الدور والمدارس والجوامع والربط والأسبلة والقبور.
وكان لهم خيرات جزيلة ورزق واسعة، وكان أهل مصر ينتفعون بما فى أيديهم من الرزق والدوائر، وكان خدمهم يبيعون للناس ما يصل إلى أيديهم من اللحم والسمن والعسل،