وجمع فيها ما تفرق من عساكره فى المشرق والمغرب، فكان جيشا جرارا، وأمّر عليه رئيسا من رجاله اسمه (منويل) فسار بهم حتى تقابل مع المسلمين عند مدينة اليرموك سنة ٦٥٦، فحصلت بينه وبين المسلمين وقعة قتل فيها من الفريقين عدد عظيم، وآل الأمر بنصر المسلمين النصر التام، الذى خلت الديار الشامية بعده من جيش النصارى، ودخلت جميعا فى قبضة المسلمين.
ثم سار المسلمون إلى مدينة القدس، ومعهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فدخلوها بلا حرب فى شهر مايو الإفرنجى سنة ٦٣٧.
وبعد دخول هذه المدينة فى حوزة الإسلام، دخل باقى البلاد الشامية فى الإسلام، كما دخل جميع بلاد العرب فيه بعد دخول مكة؛ لأن كلا من هاتين المدينتين له شرف على البلاد المجاورة له، ومن قديم الزمان يتبركون بهما، ويحجونهما فى مواسم معلومة، فكان هذا هو الداعى لقصدهما فى الفتح أولا؛ فإن الحكم لا يتمكن فى هاتين الجهتين إلا بالاستيلاء على هاتين المدينتين.
[مطلب فى فتح مصر]
ولما تم فتح الديار الشامية-كلها-للمسلمين سنة ٦٣٨، أزيلت جميع الموانع عن قصد مصر، فخاف (المقوقس) من إغاوة المسلمين على مصر، فاتفق مع بطريق إسكندرية (قيروس)، وكتب إلى أمير المؤمنين كتابة، طلب فيها أن لا يحارب مصر، وجعل له فى مقابلة ذلك مائنى ألف دينار يدفعها سنويا، وأرسل بعض هذا المبلغ مع الكتاب، فبلغ ذلك (هيراقليوس) فغضب على (المقوقس) وأرسل العساكر لتدافع عن مصر، وتمنع عساكر المسلمين من الدخول فيها، فشاع ذلك حتى بلغ أمير المؤمنين، فأمر ﵁ عمرو بن العاص، وكان وقتئذ عاملا على الجهات الشامية الملاصقة لوادى النيل، أن يتوجه إلى مصر، وأرسل معه أربعة آلاف من المسلمين، فقام وسار من وقته إلى أن وصل حدود مصر، وتقابل مع العساكر الرومانية هناك. فاصطدم الفريقان وفاز المسلمون بالنصر